"لأستغفرن لك" كما استغفر إبراهيم لأبيه "ما لم أنه" بضم الهمزة وسكون النون مبني لمفعول، "عنك" أي: إن لم ينهني الله عن الاستغفار لك، "فأنزل الله {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة: ١١٣] ، ما صح الاستغفار في حكم الله وحكمته من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم، أي: ظهر لهم أنهم ماتوا على الشرك فهو كالعلة للمنع من الاستغفار ولا يشكل بأن براءة من أواخر ما نزل بالمدينة وهذه القصة قبل الهجرة بثلاث سنين؛ لأن هذه الآية مستثناة من كون السورة مدنية؛ كما نقله في الإتقان عن بعضهم وأقره فلا حاجة لتجويز أنه كان يستغفر له إلى نزولها؛ لأن التشديد مع الكفار إنما ظهر في هذه السورة، ثم لفظ البخاري في التفسير: فأنزل الله بعد ذلك، فقال في الفتح الظاهر نزولها بعده بمدة لرواية التفسير، انتهى. وكأنه لم يقف على القول باستثنائها من كونها مدنية، فإن صح فلا يعارضه قوله بعد ذلك لكون المعنى بعد موته والاستغفار له بمكة أو بالمدينة فالبعدية محتملة، وأما قول السيوطي في التوشيح المعروف أنها نزلت لما زار -صلى الله عليه وسلم- قبر أمه واستأذن في الاستغفار لها، كما رواه الحاكم وغيره فتساهل جدالا يليق بمثله فإنها لا تعادل رواية الصحيح. وقد رد الذهبي في مختصر المستدرك تصحيح الحاكم بأن في إسناده أيوب بن هانئ ضعفه ابن معين وتعجب السيوطي نفسه في الفوائد من الذهبي كيف أقر الحديث في ميزانه مع رده في مختصر المستدرك، قال وله علة ثانية وهي مخالفته للمقطوع بصحته في البخاري من نزلها عقب موت أبي طالب، ثم قال السيوطي بعد طعنه في جميع أحاديث نزولها في آمنة، فبان بهذا إن طرقه كلها معلولة، خصوصا قصة نزول الآية الناهية عن الاستغفار؛ لأنه لا يمكن الجمع بينها وبين الأحاديث الصحيحة في تقدم نزولها في أبي طالب، انتهى. وقد تقدم ذلك مبسوطا بما يشفي، ثم هذه الآية وإن كان سببها خاصا عامة في حقه وحق غيره، ولذا استشكل قوله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد: "اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون"، وأجيب بأنه أراد الدعاء لهم بالتوبة من الشرك حتى يغفر لهم بدليل رواية من روى: "اللهم اهدي قومي"، وبأنه أراد مغفرة تصرف عنهم عقوبة الدنيا من مسخ وخسف.