للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: أمرني الله بالهجرة إليها، إن كان قاله -صلى الله عليه وسلم- بمكة، أو بسكناها، إن كان قاله بالمدينة.

وقال القاضي عبد الوهاب: لا معنى لقوله: "تأكل القرى" إلّا رجوح فضلها عليها، أي: على القرى وزيادتها على غيرها.


أو يثرب بن فانية, من ولد أرم بن سام بن نوح, وكان اسمًا لموضع منها سميت به كلها, وكرهه -صلى الله عليه وسلم؛ لأنه من التثريب الذي هو التوبيخ والملازمة, أو من الثرب وهو الفساد, وكلاهما قبيح، وقد كان يحب الاسم الحسن ويكره القبيح، ولذا أبدله بطيبة وطابة والمدينة كما قال: "وهي المدينة" أي: الكاملة على الإطلاق؛ كالبيت للكعبة, فهو اسمها الحقيق بها؛ لدلالة التركيب على التفخيم كقوله الشاعر:
هم القوم كل القوم يا أم خالد
أي: المستحقة لأن تتخذ دار إقامة, وتسميتها في القرآن يثرب إنما هو حكاية عن المنافقين.
وروى أحمد عن البراء بن عازب رفعه: "من سمَّى المدينة يثرب فليستغفر الله, هي طابة هي طابة" وروى عمر بن شبة عن أبي أيوب أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يقال للمدينة يثرب.
ولهذا قال عيسى بن دينار: من سمَّى المدينة يثرب كتبت عليه خطيئة, وحديث الهجرة في الصحيحين، فإذا هي يثرب، وفي رواية: لا أراها إلا يثرب, كان قبل النهي, "تنفي" المدينة "الناس" أي: الحديث الرديء منهم في زمنه -صلى الله عليه وسلم، أو في زمان الدجال, "كما ينف الكير" بكسر الكاف وسكون التحتية.
قال في القاموس: زق ينفخ فيه الحداد, وأما المنبني من طين فكور, "خبث" بفتح المعجمة والموحدة ومثلثة "الحديد" أي: وسخه الذي تخرجه النار، أي: إنها لا تبقي فيها من في قلبه دغل، بل تميزه عن القلوب الصادقة, وتخرجه كما تميز النار رديء الحديد من جيده, ونسب التمييز للكير؛ لأنه السبب الأكبر في اشتعال النار التي وقع التمييز بها.
وقد خرج من المدينة بعد الوفاة النبوية معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود في طائفة، ثم علي وطلحة والزبير وعمّار وآخرون, وهم من أطيب الخلق، دلَّ على أن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس, ووقت دون ووقت, وقوله: "أمرت بقرية" أي: أمرني الله" تعالى "بالهجرة إليها إن كان قاله -عليه السلام- بمكة" أن يهاجر, "أو بسكناها إن كان قاله بالمدينة".
"وقال القاضي عبد الوهاب" البغدادي، ثم المصري: وبها مات "لا معنى لقوله: "تأكل القرى" إلّا رجوح فضلها عليها، أي: على القرى, وزيادتها على غيرها", ومن جملته مكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>