للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن المنير: يحتمل أن يكون المراد بذلك غلبة فضلها على فضل غيرها، أي: إن الفضائل تضمحل في جنب عظيم فضلها حتى تكون عدمًا، وهذا أبلغ من تسمية مكة "أم القرى"؛ لأن الأمومة لا ينمحي معها ما هي له أم، لكن يكون لها حق الأمومة، انتهى.

ويحتمل أن يكون المراد غلبة أهله على القرى، والأقرب: حمله عليهما؛ إذ هو أبلغ في الغرض المسوق له. انتهى ما قاله السيد السمهودي.

وقد أطلت في الاحتجاج لتفضيل المدينة على مكة، وإن كان مذهب إمامنا الشافعي -رحمه الله- تفضيل مكة؛ لأن هوى كل نفس أين حلَّ حبيبها.

عليَّ لربع العامرية وقفة ... ليملي على الشوق والدمع كاتب


"وقال" الزين "بن المنير" في حاشية البخاري، "قال السهيلي في التوراة: يقول الله: يا طابة, يا مسكينة, إني سأرفع أجاجيرك على أجاجير القرى. وهو قريب من قوله: "تأكل القرى"؛ لأنها إذا علت عليها علوّ الغلبة أكلتها، و"يحتمل أن يكون المراد بذلك غلبة فضلها على فضل غيرها، أي: إن الفضائل تضمحل" بمعجمة فميم فمهملة فلام- تذهب, "في جنب عظيم فضلها حتى تكون عدمًا" أي: يغلب فضلها الفضائل حتى إذا قيست بفضلها تلاشت بالنسبة إليها، فهو لمراد بأكل, "وهذا أبلغ من تسمية مكة أم القرى؛ لأن الأمومة لا ينمحي معها ما هي له أم, لكن يكون لها حق الأمومة. انتهى" كلام ابن المنير, وبقيته: وما تضمحل له الفضائل أفضل وأعظم مما تبقى معه الفضائل, "ويحتمل أن يكون المراد غلبة أهلها على القرى" يعني: إن أهلها تغلب أهل سائر البلاد فتفتح منها، يقال: أكلنا بني فلان، أي غلبناهم وظهرنا عليهم، فإن الغالب المستولي على الشيء كالمفني له إفناء الأكل إياه، وفي موطأ ابن وهب، قلت لمالك: ما تأكل القرى؟ قال: تفتح القرى, "والأقرب حمله عليهما" بالتثنية، أي: على غلبتها على القرى, وغلبة فضلها على فضل غيرها؛ "إذ هو أبلغ في الغرض المسوق له. انتهى".
"ما قاله السيد السمهودي" وهو من النفائس الخلية عن عصبية المذهبية, "وقد أطلت في الاحتجاج لتفضيل المدينة على مكة, وإن كان مذهب إمامنا الشافعي -رحمه الله- تفضيل مكة؛ لأن هوى كل نفس أين حلَّ حبيبها" كما قيل:
وقائلة لي ما وقوفك ههنا ... ببرية يعوي من العصر ذيبها
فقلت لها قلي الملامة واقصري ... هوى كل نفس أين حلّ حبيبها
وأنشد لغيره:
عليَّ لربع العامرية وقفة ... ليملي عليَّ الشوق والدمع كاتب

<<  <  ج: ص:  >  >>