للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن مذهبي حب الديار لأهلها ... وللناس فيما يعشقون مذاهب

على أنَّ للقلم في أرجاء تفضيل المدينة مجالًا واسعًا ومقالًا جامعًا، لكن الرغبة في الاختصار تطوي أطراف بساطه، والرهبة من الإكثار تصرف عن تطويله وإفراطه.

وقد استنبط العارف ابن أبي جمرة من قوله -صلى الله عليه وسلم- المروي في البخاري: "ليس من بلد إلا سيطؤه الدجَّال إلا مكة والمدينة" التساوي بين فضل مكة والمدينة. قال: وظاهر هذا الحديث يعطي التسوية بينهما في الفضل؛ لأنَّ جميع الأرض يطؤها الدجال إلّا هذين البلدين، فدلَّ على تسويتهما في الفضل، قال: ويؤكد ذلك


ومن مذهبي حبّ الديار لأهلها ... وللناس فيما يعشقون مذاهب
يملي -بضم الياء وكسر اللام- فاعله الشوق، ومن ذلك المعنى قول الشاعر:
وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا
"على أنَّ للقلم في أرجاء" بفتح الهمزة وسكون الراء وجيم- جمع رجا بالقصر: الناحية، أي: في جهات تفضيل "المدينة مجالًا" مصدر ميمي لجال، أي: طوافًا "واسعًا" في بيان أدلة ذلك, "ومقالًا جامعًا" لما تفرَّق "لكن الرغبة في الاختصار تطوي أطراف بساطه, والرهبة" الخوف من "الإكثار تصرف" تصد "عن تطويله وإفراطه".
"وقد استنبط": استخرج العارف بالله ابن أبي جمرة" بجيم وراء "من قوله -عليه السلام- المروي في البخاري", والنسائي في الحج، ومسلم في الفتن, عن أنس مرفوعًا: "ليس من بلد" من البلدان "إلا سيطؤه" يدخله "الدجال" , قال الحافظ: هو على ظاهره وعمومه عند الجمهور، وشذَّ ابن حزم فقال: المراد لا يدخله بجنوده, وكأنه استبعد إمكان دخول الدجَّال جميع البلاد لقصر مدته، وغفل عمَّا في مسلم، أن بعض أيامه يكون قدر سنة, "إلا مكَّة والمدينة" لا يطؤهما, مستثنى من المستثنى لا من بلد في اللفظ، وإلّا ففي المعنى منه؛ لأن ضمير يطؤه عائد على بلد.
وبقية هذا الحديث: "ليس من نقابهما نقب إلّا عليه الملائكة صافّين يحرسونهما, ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فيخرج الله كل كافر ومنافق" , "التساوي" مفعول استنبط, "بين مكة والمدينة"؛ حيث قال: وظاهر هذا الحديث يعطي التسوية بينهما في الفضل؛ لأنَّ جميع الأرض يطؤها الدجال إلّا هذين البلدين، فدلَّ على تسويتهما في الفضل، وليس ذلك بلازم، فإنهما متساويان في أشياء كثيرة, ومع ذلك الخلاف في أيهما أفضل.
"قال: ويؤكد ذلك أيضًا من وجه النظر أنه" أي: الشأن "إن كانت خصت المدينة

<<  <  ج: ص:  >  >>