للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيضًا من وجه النظر؛ لأنه إن كانت خُصَّت المدينة بمدفنه -صلى الله عليه وسلم- وإقامته بها ومسجده، فقد خُصَّت مكة بمسقطه -صلى الله عليه وسلم- بها, ومبعثه منها، وهي قبلته، فمطلع شمس ذاته الكريمة المباركة مكة، ومغربها المدينة، وإقامته بعد النبوة على المشهور من الأقاويل بمكة, مثل إقامته -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، عشر سنين في كلّ واحدة منهما. كذا قاله.

وأنت إذا تأمَّلت قوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم من حديث سعد: "يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه: هلمَّ إلى الرخاء, والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون, والذي نفسي بيده, لا يخرج أحد غربة عنها إلّا أخلف الله فيها خيرًا منه".


بمدفنه -عليه السلام- وإقامته بها ومسجده، فقد خُصَّت مكة بمسقطه" أي: ولادته "عليه السلام- بها, ومبعثه منها, وهي قبلته، فمطلع شمس ذاته المباركة مكة, ومغربها المدينة, وإقامته بعد النبوة على المشهور من الأقاويل بمكة, قدر إقامته بالمدينة, عشر سنين في كل واحدة منهما, كذا قاله" تبرأ منه؛ لأنَّ دلالة ما قاله على التساوي ليست بقوية؛ ولأن ما قال: إنه المشهور خلاف المشهور، أنه أقام بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة، وحمه على أنَّ المراد بعشر مكة العشر التي دعا الناس فيها؛ لأن الثلاثة قبلها لم يكن مأمورًا فيها بدعوة, يمنعه قوله على المشهور من الأقاويل؛ إذ لو حمل على ذلك لم يكن خلاف, "وأنت إذا تأمَّلت قوله -عليه السلام- فيما رواه مسلم من حديث سعد".
كذا في النسخ، والذي في مسلم: إنما هو عن أبي هريرة, أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه" أي: الرجل "هلمَّ" أي: تعال "إلي الرخاء" الزرع والخصب وغير ذلك, "والمدينة خير لهم" من الرخاء؛ لأنها حرم الرسول وجواره ومهبط الوحي ومنزل في البركات, "لو كانوا يعلمون" بما فيها من الفضائل؛ كالصلاة في مسجدها, وثواب الإقامة فيها, وغير ذلك من الفوائد الدينية والأخروية التي تحتقر دونها الحظوظ الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها, وجواب لو محذوف، أي: ما خرجوا منها، أو لو للتمنى فلا جواب لها، وعلى التقديرين، ففيه تجهيل من فارقها تقويته على نفسه خيرًا عظيمًا, وللبزار برجال الصحيح عن جابر مرفوعًا: "ليأتينَّ على أهل المدينة زمان ينطلق الناس منها إلى الأرياف يلتمسون الخاء, فيجدون رخاء, ثم يتحملون بأهليهم إلى الرخاء, والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون" والأرياف: جمع ريف -بكسر الراء- وهو ما قارب المياه في أرض العرض، وقيل: هو الأرض التي فيها الزرع والخصب، وقيل غير ذلك, "والذي نفسي بيده, لا يخرج أحد رغبة عنها" أي: كراهة لها, من: رغبت عن الشيء إذا كرهته، قاله المازري, "إلا أخلف الله فيها خيرًا منه" بمولود يولد بها، أو

<<  <  ج: ص:  >  >>