للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظهر لك أن فيه إشعارًا بذم الخروج من المدينة, بل نقل الشيخ محب الدين الطبري عن قوم أنه عام أبدًا مطلقًا، وقال: إنه ظاهر اللفظ.

وفي الصحيح مسلم من حديث أبي هريرة, أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلّا كنت له شفيعًا يوم القيامة أو شهيدًا".

وفيه عن سعيد -مولى المهري- أنه جاء إلى أبي سعيد الخدري ليالي الحرة، فاستشاره في الجلاء من المدينة، وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله، وأخبره أنه لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها, فقال: ويحك. لا آمرك بذلك، إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يصبر أحد على لأوائها إلّا كنت له شفيعًا أو


قدوم خير منه من غيرها, وهذا فيما استوطنها، أمَّا من كان وطنه غيرها فقدمها للقربة ورجع إلى وطنه, أو استوطنها وسافر لحاجة أو شدة أو فتنة, فليس من ذلك.
قاله الباجي: "ظهر لك أن فيه إشعارًا" قويًّا "بذمِّ الخروج من المدينة" رغبةً عنها, كما قيد به الحديث, فلا يرد أن الصحابة الذين خرجوا منها لم تخلف المدينة بمثلهم, فضلًا عن خير منهم, بل نقل الشيخ محب الدين الطبري عن قوم أنه عامّ أبدًا مطلقًا, أي: في زمنه -صلى الله عليه وسلم- وبعده, "وقال" مختارًا له: "إنه ظاهر اللفظ".
وقد اختلف في ذلك, فقال ابن عبد البر وعياض وغيرهما: أنه خاص بزمنه -صلى الله عليه وسلم, وقال آخرون: هو عام في زمنه وبعده، ورجَّحه النووي, وقال الأبي: إنه الأظهر, والذين خرجوا من الصحابة لم يخرجوا رغبة عنها، بل لمصالح دينية.
"وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها" أي: اللأواء, أو المدينة احتمالان للمازري، فعلى الأوّل هو عطف تفسير, "أحد من أمتي, إلّا كانت له شفيعًا يوم القيامة, أو شهيدًا" وفيه عن سعيد" صوابه كما في مسلم عن أبي سعيد مولى المهري -بفتح الميم وسكون الهاء وبالراء- نسبة إلى مهرة, قبيلة من قضاعة.
قال المنذري: لا يعرف له اسم, "أنَّه جاء إلى أبي سعيد الخدري ليالي الحرة" بفتح الحاء والراء المهملتين, "فاستشاره في الجلاء" بفتح الجيم والمد- الخروج "من المدينة, وشكا إليه أسعارها" أي: غلوّها "وكثرة عياله، وأخبره أنه لا صبر له على جهد" مشقة "المدينة ولأوائها" عطف مساو, "فقال له أبو سعيد: ويحك, لا آمرك بذلك"، أي: الجلاء, "إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يصبر أحد على لأوائها إلّا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة".

<<  <  ج: ص:  >  >>