للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قائدهم إذا وفدوا, وأنا خطيبهم إذا أنصتوا, وأنا شفيعهم إذا حبسوا, وأنا مبشرهم إذا أيسوا، الكرامة والمفاتيح يومئذ بيدي، ولواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي، يطوف عليّ ألف خادم كأنهم بيض مكنون أو لؤلؤ منثور" رواه الدارمي، وقال الترمذي: حديث غريب.

ولم يقل: وأنا إمامهم؛ لأن دار الآخرة ليست دار تكليف.


وفيه مناسبة لسبقه بالنبوة, "وأنا قائدهم إذا وفدوا" قدموا على ربهم ركبانًا على نجائب من نور من مراكب الآخرة, والوافد الراكب، قاله ابن كثير وغيره، لكنه هنا مجرد عن بعض معناه مستعمل في مطلق القدم؛ لأن الذين يحشرون ركبانًا إنما هم المتقون، فأمَّا العصاة فمشاة كما في أحاديث, وهو -صلى الله عليه وسلم- قائد لجميع المؤمنين الطائعين والعصاة, "وأنا خطيبهم" أي: المتكلم عنهم "إذا انصتوا".
قال بعض شراح الترمذي: هذه خطبة الشفاعة، وقيل: قبلها, "وأنا شفيعهم إذا حبسوا" منعوا عن الجنة, "وأنا مبشرهم" بقبول شفاعتي لهم عند ربي ليريحهم "إذا أيسوا" من الناس, وفي رواية: أبلسوا, من الإبلاس وهو الانكسار والحزن, "الكرامة" التي يكرم الله عباده يومئذ, "والمفاتيح يومئذ" أي: يوم القيامة ظرف له وللكرامة, والخبر قوله: كائنان, "بيدي" تصرفي وقدرتي, "ولواء الحمد يومئذ بيدي, وأنا أكرم ولد آدم على ربي" ودخل آدم بالأوّل؛ لأن في ولده من هو أكرم منه كإبراهيم وموسى, "يطوف عليّ" بشد الياء "ألف خادم كأنهم بيض مكنون" شبههم ببيض النعام المصون من الغبار، ونحوه في الصفاء والبياض المخلوط بأدنى صفرة، فإنه أحسن ألوان الأبدان, "أو لؤلؤ منثور" من سلكه أو من صدفه, وهو أحسن منه في غير ذلك شبههم به لحسنهم وانتشارهم في الخدمة، وهذا قاله تحدثًا بنعمة ربه كما أمره.
قال القرطبي: ولأنه مما أمر بتبليغه لوجوب اعتقاده وأنَّه حق في نفسه, وليرغب في الدخول في دينه, ويتمسك به من دخل فيه، ولتعظم محبته في قلوب متبعيه, فتكثر أعمالهم, وتطيب أحوالهم, فيحصل لهم شرف الدنيا والآخرة؛ لأن شرف المتبوع متعد لشرف التابع، فإن قيل: هذا راجع للاعتقاد, فكيف يحصل القطع به من أخبار الآحاد، قلنا: من سمع شيئًا من هذه الأمور منه -صلى الله عليه وسلم- مشافهةً حصل له العلم به كالصحابة، ومن لم يشافهه حصل له العلم به من طريق التواتر المعنوي لكثرة أخبار الآحاد به.
"رواه الدارمي" عبد الله بن عبد الرحمن الحافظ, "وقال" تلميذه "الترمذي" بعد روايته له مختصرًا: ولذا لم يعزه له المصنف "حديث غريب", وفيه الحسن بن يزيد الكوفي، قال أبو حاتم: ليّن, "ولم يقل: وأنا إمامهم" بدل قوله: وأنا قائدهم؛ "لأن دار الآخرة ليست دار تكليف", وهو إخبار عن حاله فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>