للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبينما هو عند العقبة، لقي رهطا من الخزرج، أراد الله بهم خيرا، فقال لهم: "من أنتم"؟ قالوا: نفر من الخزرج، قال: "أفلا تجلسون أكلمكم"؟ قالوا: بلى، فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن.

وكان من صنع الله، أن اليهود كانوا معهم في بلادهم، وكانوا أهل كتاب، وكان الأوس والخزرج أكثر منهم، فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا: إن نبيا سيبعث الآن، قد أظل زمانه، نتبعه فنقتلكم معه. فلما كلمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عرفوا النعت، فقال بعضهم لبعض:


من ربيعة، قال: من أي ربيعة أنتم؟ قالوا: من ذهل، فذكر حديثا طويلا في مراجعتهم وتوقفهم أخيرا عن الإجابة، قال: ثم دفعنا إلى مجلس الأوس والخرزج وهم الذين سماهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأنصار لكونهم أجابوه إلى إيوائه ونصره، قال: فما نهضنا حتى بايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم.
"فبينما هو عند العقبة" الأولى كما في ابن إسحاق، أي: عقبة الجمرة كما جزم به غير واحد، واستظهره البرهان تبعا للمحب الطبري إذ ليس ثم عقبة أظهر منها، ويجوز أن المراد بها المكان المرتفع عن يسار قاصد منى، ويعرف عند أهل مكة مسجد البيعة، وعليه فالمعنى في مكان قريب من العقبة، "لقي رهطا" رجالا دون عشرة "من الخزرج" لا ينافي قوله: أولا الأوس والخرزج؛ لجواز أنه لقيهم من جملة القبائل قبل لقي أولئك الرهط من الخزرج، "أراد الله بهم خيرا" هو الهداية للدين القويم، "فقال لهم: "من أنتم"؟ قالوا: نفر" بفتحتين "من الخزرج" زاد ابن إسحاق: قال: "أمن موالي يهود"؟ قالوا: نعم، يعني من حلفائهم؛ لأنهم كانوا تحالفوا على التناصر والتعاضد، "قال: "أفلا تجلسون أكلمكم" بالجزم جواب الطلب وجازمه شرط مقدر على الصحيح، ويجوز الرفع على الاستئناف، "قالوا: بلى" زاد في رواية: من أنت؟ فانتسب لهم وأخبرهم خبره، "فجلسوا معه" وفي رواية: وجدهم يحلقون رءوسهم فجلس إليهم، "فدعاهم إلى الله" وبين المراد منه بقوله: "وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن" أي: بعضه، "وكان من صنع الله أن اليهود كانوا معهم" مع الأوس والخزرج "في بلادهم كانوا أهل كتاب" وعلم وكانوا هم أصحاب شرك أصحاب أوثان وكانوا قد عزوهم ببلادهم؛ كما عند ابن إسحاق "وكان الأوس والخزرج أكثر منهم، فكانوا إذا كان بينهم شيء" من خصومة أو محاربة "قالوا" أي: اليهود "إن نبيا سيبعث" السين لتخليص الفعل عن وقت التكلم فلا تنافي بينه وبين قوله: "الآن" أي: الزمان الذي فيه الحروب والمخالفة بينهم وإن امتد وأطلق اسم الآن عليه للعرف في مثله، ولفظ المصنف هو ما في الفتح عن ابن إسحاق، ولفظ العيون عنه أن نبيا مبعوث الآن "قد أظل" قرب "زمانه نتبعه فنقتلكم معه" قتل عاد وإرم؛ كما في ابن إسحاق، أي: نستأصلكم، "فلما كلمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عرفوا النعت" الوصف الذي كانوا يسمعونه قبل من اليهود، "فقال بعضهم لبعض"

<<  <  ج: ص:  >  >>