ولم تذكر لتحققها الذكر الرجل لها والعلم بخلوصه فيها {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} بنعيم الجنة وعالي مراتبها, ففيه تبشير له بمرافقة أفضل خلق الله وأكرمهم وأرفعهم منزلة, {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} بيان للمنعَم عليهم بما أُخْفِيَ لهم من قرة أعين, {وَحَسُنَ أُولَئِكَ} تعجب، أي: ما أحسنهم {رَفِيقًا} تمييز، ولم يجمع لوقوعه على الواحد وغيره. قال البيضاوي: قسمهم أربعة أقسام باعتبار منازلهم في العلم والعمل, وهم الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل، المجاوزون حدَّ الكمال إلى درجة التكميل، ثم صديقون صعدت نفوسهم تارةً إلى مراقي النظر في الحجج والآيات، وأخرى إلى معارج القدس بالرياضة والتصفية حتى اطَّلعوا على ما لم يطلع عليه غيرهم، ثم شهداء بذلوا أنفسهم في إعلاء كلمة الله وإظهار الحق، ثم صالحون صرفوا أعمارهم في طاعته وأموالهم في مرضاته، ولك أن تقول: المنعَم عليهم هم العارفون بالله, وهؤلاء إمَّا أن يكونوا بالغين درجة العيان, أو واقفين في مقام الاستدلال والبرهان، والأوَّلون إمَّا أن ينالوا مع العيان القرب؛ بحيث يكونون كمن يرى الشيء قريبًا، وهم الأنبياء أولًا, كمن يرى الشيء من بعد وهم الصديقون، والآخرون إمَّا أن يكون عرفانهم بالبراهين القاطعة, وهم العلماء الراسخون الذين هم شهداء الله في الأرض، وإمَّا أن يكون بإمارات وإقناعات تطمئنّ إليها نفوسهم, وهم الصالحون. انتهى. "رواه أبو نعيم" والطبراني في الصغير "عن عائشة" وابن مردويه عن ابن عباس, "وقال الحافظ أبو عبد الله" محمد بن عبد الواحد بن أحمد السعدي الحنبلي ضياء الدين "المقدسي, الدَّيِّن، الزاهد الورع، الحجة الثقة، صاحب التصانيف المشهورة, سمع ابن الجوزي وخلقًا, وُلِدَ سنة تسع وستين وخمسمائة, ومات سنة ثلاث وأربعين وستمائة, "لا أعلم بإسناد هذا