وقد اختلف السلف، أي: البلدين أفضل فذهب الأكثر إلى تفضيل مكة، وبه قال الشافعي وابن وهب ومطرف وابن حبيب واختاره من متأخري المالكية ابن رشد وابن عرفة؛ كما قاله الأبي وذهب عمر بن الخطاب في طائفة وأكثر المدنين إلى تفضيل المدينة على مكة وهو مذهب مالك، ومال إليه من متأخري الشافعية السمهودي والسيوطي والمصنف في المقصد الأخير واعتذر عن مخالفة مذهبه بأن هوى كل نفس حيث حل حبيبها والأدلة الكثيرة من الجانبين، حتى قال الإمام ابن أبي جمرة بتساوي البلدين، والسيوطي: المختار الوقف عن التفضيل لتعارض الأدلة بل الذي تميل إليه النفس تفضيل المدينة، ثم قال: وإذا تأمل ذو البصيرة لم يجد فضلا أعطيته مكة إلا وأعطيت المدينة نظيره وأعلى منه، هكذا قال في الحجج البينة وجزم في أنموذجه بأن المختار تفضيل المدينة. وأما التشبث بأن مكة حرمها الله يوم خلق السماوات والأرض والمدينة حرمها المصطفى وما حرمه الله أعظم، فشبهة فاسدة؛ لأن الأشياء كلها حرامها وحلالها حرم وأحل من القدم بخطابه تعالى القديم النفسي. وفي البخاري حرمت المدينة على لساني، فهذا صريح في أن الله حرمها، قال في الحجج: وأما كون مكة بها المشاعر والمناسك فقد عوض الله تعالى المدينة عن الحج والعمرة بأمرين وعد الثواب عليهما. وأما العمرة ففي الصحيح "صلاة في مسجد قباء كعمرة". وأما الحج، فعن أبي أمامة مرفوعا: "من خرج على طهر لا يريد إلا الصلاة في مسجدي حتى يصلي فيه كان بمنزلة حجة"، انتهى. ومحل الخلاف كما مر، فيما عدا البقعة التي ضمت أعضاءه -صلى الله عليه وسلم، فإنها أفضل إجماعا ويليها الكعبة فهي أفضل من بقية المدينة اتفاقا، كما قال الشريف السمهودي. وذكر الدماميني: أن الروضة تنضم لموضع القبر في الإجماع على تفضيله بالدليل الواضح إذ لم يثبت لبقعة أنها من الجنة بخصوصها إلا هي، فلذا أورد البخاري حديث: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة"، تعريفا بفضل المدينة؛ إذ لا شك في تفضيل الجنة على الدنيا، كذلك، قال: ولا يخلو