وروى البخاري في بعض نسخه ومسلم والترمذي وغيرهم مرفوعا: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار"، أي: إلى سبب فيهما. واستشكل بأن معاوية كان معه جماعة من الصحابة، فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار. وأجاب الحافظ، بما حاصله: إنهم ظنوا أنهم يدعونه إلى الجنة وهم مجتهدون لا لوم عليهم، وإن كان في نفس الأمر بخلاف ذلك فإن الإمم الواجب الطاعة إذ ذاك هو علي الذي كان عمار يدعوهم إليه كما أرشد له بقوله: "يدعوهم إلى الجنة" وبجعله قتلة عمار بغاة وقول ابن بطال تبعا للمهلب: إنما يصح هذا في الخوارج الذين بعث إليهم علي يدعوهم إلى الجماعة وهم إذ الخوارج إنما خرجوا على علي بعد عمار اتفاقا. وأما الذين بعثه إليهم فإنما هم أهل الكوفة يستفزهم على قتال عائشة ومن معها قبل وقعة الجمل، وكان فيهم من الصحابة جماعة كمن كان مع معاوية وأفضل فما فر منه المهلب، وقع في مثل مع زيادة إطلاقه عليهم الخوارج وحاشهم من ذلك. وفي الحديث فضيلة ظاهرة لعلي وعمار ورد على النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في حروبه، انتهى ملخصا. "وروينا" في صحيح البخاري في حديث عائشة الطويل "أنه صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم اللبن" بفتح اللام وكسر الموحدة الطوب النيء "في بنائه" ولا يعارضه أن عمارا كان يحمل عنه؛ لأنه عليه السلام ابتدأ في النقل ترغيبا لهم في العمل، "ويقول: وهو ينقل اللبن" هذا هو الصواب المروي عنه البخاري، فما في بعض النسخ السقيمة الأحمال تصحيف، "هذا الحمال لإحمال"