وروى محمد بن الحسن المخزومي وغيره عن شهر بن حوشب: لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يبنى المسجد، قال: "ابنوا لي عريشا كعريش موسى ثمامات وخشبات وظلة كظلة موسى، والأمر أعجل من ذلك". قيل: ما ظلة موسى؟ قال: "كان إذا قام أصاب رأسه السقف"، فلم يزال المسجد كذلك حتى قبض صلى الله عليه وسلم، وثمامات بضم المثلث جمع ثمام واحده ثمامة نبت ضعيف، وذكر في الأوج أن قامة موسى وعصاه ووثبته سبعة أذرع، فهو تشبيه تام؛ لأنه جعل ارتفاع سقف المسجد سبعة. وعلى ما ذكر ابن كثير: إن قامة موسى وعصاه ووثبته عشرة، فالتشبيه في أن السقف يصيب رأسه لا يقيد الطول ثم مرسل ابن حوشب هذا، لا معارضة فيه الخبر الصحيح أصلا؛ لأن ذلك لا يمنع أن جدرانه باللبن، كما هو ظاهر. ووقع عند ابن عائذ عن عطاف بن خالد أنه عليه السلام صلى فيه وهو عريش اثني عشر يوما، ثم بناه وسقفه. "وعمل فيه المسلمون" روى أبو يعلى رجال الصحيح عن عائشة والبيهقي عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: لما بنى صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة وضع حجرا، ثم قال: "ليضع أبو بكر حجره إلى جنب حجري، ثم ليضع عمر حجره إلى جنب حجر أبي بكر، ثم ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر، ثم ليضع علي" فسئل عن ذلك، فقال: "هؤلاء الخلفاء من بعدي". وأخرج أحمد عن طلق بن علي، قال: بنيت المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقول: "قربوا اليمامي من الطين، فإنه أحسنكم له مسيسا". وروى أحمد عنه أيضا: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يبنون المسجد، وكأنه لم يعجبه عملهم فأخذت المسحاة فخلطت الطين، فكأنه أعجبه فقال: "دعوا الحنفي والطين، فإنه أضبطكم للطين" وعند ابن حبان، فقلت: يا رسول الله أأنقل كما ينقولون؟ قال: "لا، ولكن أخلط لهم الطين، فأنت أعلم به". "وكان" المسلمون يحملون لبنة لبنة، وكان "عمار بن ياسر ينقل لبنتين" كما في البخاري عن أبي سعيد وزاد معمر في جامعه عنه: "لبنة عنه ولبنة عن النبي صلى الله عليه وسلم" وفي رواية الإسماعيلي وأبي نعيم، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا عمار، ألا تحمل كما يحمل أصحابك"؟، قال: إني أريد من الله الأجر. "فقال له عليه السلام" بعد مسح ونفض التراب عنه: "للناس أجر، ولك أجران"