للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الجانبين مثل ذلك أو دونه.

وجعلوا أساسه قريبا من ثلاثة أذرع،..............................................


ذراعا، فيحتمل أنه كان كذلك ثم زاد فيه فبلغ المائة، ويؤيده قول أهل السير: بنى صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة أقل من مائة في مائة ثم بناه، وزدا فيه: "وفي الجانبين" أي: العرض "مثل ذلك" كما في خبر محمد الباقر وزيد بن حارثة فكان مربعا "أو دونه" إشارة للقول بأن عرضه كان أقل من مائة حكاه غير واحد، "وجعلوا أساسه" أي: طرفه الثابت عن الأرض، "قريبا من ثلاثة أذرع" بالحجارة ولم يسطح فشكوا الحر فجعل خشبه وسواريه جذوعا وظللوه بالجريد ثم بالجص، فلما وكف عليهم طينوه بالطين وجعلوا وسطه رحبة وكان جداره قبل أن يسقف قامة وشيئا، رواه رزين عن جعفر بن محمد. وذكر البلاذري ورواه يحيى بن الحسن عن النوار أم زيد بن ثابت: أنها رأت أسعد بن زرارة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس الصلوات الخمس ويجمع بهم في مسجد بناه في مربد سهل وسهيل، قالت: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم صلى بهم في ذلك المسجد وبناه هو فهو مسجده، فإن صح فكأنه هدم بناء أسعد وزاد فيه أو زاد بدون هدم لضيقه عن المسلمين أو نحو ذلك، وإلا فما في الصحيح أصح من أنه اشترى المربد وبناه، كما قالت عائشة، وقال: "يا بني النجار ثامنوني بحائطكم"، رواه أنس هذا وفي البخاري, وأبي داود عن ابن عمر: أن المسجد كان على عهده صلى الله عليه وسلم مبنيا اللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئا، وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهده صلى الله عليه وسلم وأعاد عمده خشبا ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة وجعل عمده جارة منقوشة وسقفه بالساج، قال ابن بطال وغيره: هذا يدل على أن السنة في بنيان المسجد القصد وترك الغلو في تحسينه، فقد كان عمر مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة بيت المال عنده لم يغيره عما كان عليه وإنما احتاج إلى تجديد؛ لأن جريد النخل قد نخر في أيامه فكلم العباس في بيع داره ليزيدها فيه فوهبها العباس لله وللمسلمين فزادها عمر في المسجد، ثم كان عثمان والمال في زمانه أكثر فحسنه بما لا يقتضي الزخرفة، ومع ذلك أنكر عليه بعض الصحابة.
وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك وذلك في أواخر عصر الصحابة، وسكت العلماء عن إنكار ذلك خوف الفتنة، ورخص فيه بعضهم وهو قول أبي حنيفة إذا وقع تعظيما للمساجد ولم يصرف عليه من بيت المال، وقال ابن المنير لما شيد الناس بيوتهم، وزخرفوها، ناسب أن يصنع ذلك بالمساجد صونا لها عن الاستهانة، وتعقب بأن المنع إن كان للحث على اتباع السلف في ترك الرفاهية، فهو كما قال: وإن كان لخشية شغل بال المصلي للزخرفة، فلا لبقاء العلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>