للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة.

وفي هذا أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به، وإن تقدم نزوله؛ لأنهم لم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء والله أعلم.


عباد بن بشر ففيه نظر؛ لأن ذلك إنما ورد في حق بني حارثة في صلاة العصر، فإن كان ما نقلوه محفوظا فيحتمل أن عبادا أتى بني حارثة أولا وقت العصر ثم توجه إلى أهل قباء، فأعلمهم بذلك في الصبح، ومما يدل على تعددهما أن مسلما روى عن أنس: أن رجلا من بني سلمة مر وهم ركوع في صلاة الفجر، فهذا موافق لرواية ابن عمر في تعيين الصلاة، وبنو سلمة غير بني حارثة انتهى.
وكون مخبر بني حارثة عباد بن بشر رواه ابن منده وابن أبي خيثمة، وقيل: عباد بن نهيك، بتفح النون وكسر الهاء، ورجح أبو عمر الأول. وقيل: عباد بن نصر الأنصاري. قال الحافظ: والمحفوظ عباد بن بشر، انتهى. وقيل: عباد بن وهب. قال البرهان: ولا أعرفه في الصحابة إلا أن يكون نسب إلى جده أو جد له أعلى إلى خلاف الظاهر، انتهى.
"فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم" أسقط من الحديث ما ألفظه: قد أنزل عليه الليلة قرآن، قال الحافظ: فيه إطلاق الليلة على بعض اليوم الماضي وما يليه مجازا والتنكير لإرادة البعضية، والمراد قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} [البقرة: ١٤٤] الآية. "قد أمر" بضم الهمزة مبنيا للمفعول "أن" أي: بأن "يستقبل" بكسر الموحدة، أي: باستقبال "الكعبة، فاستقبلوها" بفتح الموحدة عن أكثر رواة الصحيحين على أنه فعل ماض، أي: تحول أهل قباء إلى جهة الكعبة، "وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة" وضمير استقبلوها ووجوههم لأهل قباء، ويحتمل أنه للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه.
وفي رواية الأصيلي للبخاري، والعذري لمسلم: فاستقبلوها بكسر الموحدة بصيغة الأمر، قال الحافظ: وفي ضمير وجوههم الاحتمالان المذكوران، وعوده إلى أهل قباء أظهر. وترجح رواية الكسر رواية البخاري في التفسير، بلفظ: وقد أمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها، فدخول حرف الاستفتاح يشعر بأن الذي بعده أمر لا أنه بقية الخبر الذي قبله، انتهى. وفي النور أن بعض الحفاظ، قال: الكسر أفصح وأشهر وهو الذي يقتضيه تمام الكلام بعده.
"وفي هذا" الحديث من الفوائد "أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به وإن تقدم نزوله؛ لأنهم لم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء" زاد الحافظ: واستنبط منه الطحاوي أن من لم تبلغه الدعوة ولم يمكنه استعلام فالفرض غير لازم له، وفيه جواز الاجتهاد في زمنه صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم لما تمادوا في الصالة ولم يقطعوها، دل على أنه رجح عندهم التمادي والتحول

<<  <  ج: ص:  >  >>