للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى الطبري عن ابن عباس: لما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، واليهود أكثر أهلها يستقبلون بيت المقدس أمره الله تعالى أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها سبعة عشر شهرا، وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم، فكان يدعو وينظر إلى السماء فنزلت الآية.


على القطع والاستئناف، ولا يكون ذلك إلا عن اجتهاد، كذا قيل وفيه نظر، لاحتمال أن عندهم في ذلك يقينا سابقا لأنه عليه السلام كان مترقبا للتحويل، فلا مانع من تعليمهم ما صنعوا من التمادي والتحول، وفيه قبول خبر الواحد ووجوب العمل به ونسخ ما تقرر بطريق العلم به؛ لأن صلاتهم إلى بيت المقدس كانت عندهم بطريق القطع لمشاهدتهم صلاته صلى الله عليه وسلم إليه، وتحولوا إلى جهة الكعبة بخبر هذا الواحد، وأجيب: بأن الخبر المذكور احتفت به قرائن ومقدمات أفادت العلم عندهم بصدق المخبر، فلم ينسخ عندهم ما يفيد العلم إلا بما يفيد العلم. وقيل: كان النسخ بخبر الواحد جائزا في زمنه صلى الله عليه وسلم مطلقا، وإنما منع بعده ويحتاج إلى دليل. انتهى.
"وروى الطبري" محمد بن جرير من طريق علي بن أبي طلحة، "عن ابن عباس" قال: "لما هجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واليهود أكثر أهلها يستقبلون" خبر ثان لليهود أو لمبتدأ محذوف، أي: وهم يستقبلون "بيت المقدس أمره الله تعالى أن يستقبل بيت المقدس" ليجمع له بين القبلتين، كما عده السيوطي من خصائصه على الأنبياء والمرسلين وتأليفا لليهود، كما قال أبو العالية "ففرحت اليهود" لظنهم أنه استقبله اقتداء بهم مع أنه كان لأمر ربه "فاستقبلها سبعة عشر شهرا، وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم" وعند الطبري أيضا من طريق مجاهد عن ابن عباس، قال: إنما أحب أن يتحول إلى الكعبة؛ لأن اليهود قالوا: يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا. وعند ابن سعد: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يا جبريل، وددت أن الله صرف وجهي عن قبلة يهود"، فقال جبريل: إنما أنا عبد فادع ربك وسله.
وعند السدي في الناسخ والمنسوخ عن ابن عباس: كان صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يصلي قبل الكعبة؛ لأنها قبلة آبائه إبراهيم وإسماعيل، فقال لجبريل: "وددت أنك سألت الله أن يصرفني إلى الكعبة"، فقال جبريل: لست أستطيع أن أبتدئ الله عز وجل بالمسألة ولكن إن سألني أخبرته. "فكان يدعو" دعاء محبة لذلك بالحال لا بالقال، ففي الفتح فيه بيان شرف المصطفى وكرامته على ربه لإعطائه له ما أحب من غير تصريح بالسؤال، وعليه فالعطف تفسيري في قوله: "وينظر إلى السماء" ينظر جبريل ينزل عليه، كما عند السدي وغيره، ولأنها قبلة الداعي "فنزلت الآية" يعني قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤] الآية، وبقية حديث ابن عباس هذا عند ابن جرير: فارتاب في ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>