"قال في فتح الباري" في كتاب الصلاة "وظاهر حديث ابن عباس هذا أن استقبال بيت المقدس إنما وقع بعد الهجرة إلى المدينة، لكن أخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس" قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصل بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه" فحصل تخالف بين حديثيه؛ إذ مقتضى الأول أنه إنما أمر به في المدينة، وهذا صريح في أنه كان بمكة. "قال" يعني في الفتح: "والجمع بينهما ممكن بأن يكون أمر" صلى الله عليه وسلم "لما هاجر أن يستمر على الصلاة لبيت المقدس" فالأمر بابتداء استقباله كان بمكة، والذي بالمدينة باستمراره، ثم نسخ باستقبال الكعبة، فلم يقع نسخ بيت المقدس إلا مرة واحدة. "وأخرج الطبري" محمد بن جرير "أيضا من طريق ابن جريج" بجيمين مصغر عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم المكي الثقة الفقيه الحافظ أحد الأعلام، مات سنة خمسين ومائة، "قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة، فصلى ثلاثة حجج" بكسر المهملة وفتح الجيم الأولى وكسر الثانية منون، أي: سنين بناء على أن الإسراء قبل الهجرة بخمس سنين. أما على أنه قبلها بسنة أو نحوها، فالمراد: ما كان يصليه قبل فرض الخمس، "ثم هاجر فصلى إليه بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا، ثم وجهه الله إلى الكعبة" فهذا الأثر صريح في الجمع المذكور، فلا بأس. وقوله في حديث ابن عباس الثاني: والكعبة بين يديه يخالف قول البراء عند ابن ماجه صلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ثمانية عشر شهرا، وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخول المدينة، فإن ظاهره: أنه كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس محضا. وحكى الزهري خلافا في أنه كان بمكة يجعل الكعبة خلف ظهره أو يجعلها بينه وبين