وفي الفتح أيضا اختلفوا في الجهة التي كان يصلي إلى بيت المقدس، لكنه كان لا يستدبر الكعبة بل يجعلها بينه وبين بيت المقدس. وأطلق آخرون: أنه كان يصلي إليها بمكة. فقال ابن عباس وغيره: كان يصلي إلى بيت المقدس. وقال آخرون: كان يصلي إلى الكعبة، فلما هاجر استقبل المقدس. وهذا ضعيف، ويلزم منه دعوى النسخ مرتين، والأول أصح؛ لأنه يجمع به بين القولين وقد صححه الحاكم وغيره من حديث ابن عباس، انتهى. ولا يخالفه قول ابن العربي: نسخ الله القبلة ونكاح المتعة ولحوم الحمر الأهلية مرتين مرتين ولا أحفظ رابعا.. وقال أبو العباس العزفي -بفتح المهملة والزاي وبالفاء: رابعها الوضوء مما مست النار، ونظم ذلك السيوطي؛ لأن مراد الحافظ أن خصوص نسخ بيت المقدس لم يتكرر، وما أثبته ابن العربي النسخ للقبلة في الجملة، بمعنى: أنه أمر باستقبال الكعبة ثم نسخ باستقبال بيت المقدس، ثم نسخ بالكعبة، كما هو مدلول كلاميهما، ودل عليه أثر ابن جريج. "وقوله في حديث ابن عباس الأول: أمره الله يرد قول من قال" وهو الحسن البصري، "أنه صلى إلى بيت المقدس باجتهاد" وكذا قول الطبري: كان مخيرا بينه وبين الكعبة، فاختاره طمعا في إيمان اليهود، ويرده أيضا سؤاله لجبريل؛ إذ لو كان مخيرا لاختار الكعبة لما أحبها من غير سؤال. قال شيخنا: إلا أن يقال بعد اختياره وجب عليه لكنه استبعد هذا بمجلسه؛ لأن فيه تضييقا عليه ولو خير كان كتخييره بين المسح على الخفين وغسل الرجلين، والذي عليه الجمهور، كما قال القرطبي: أنه إنما كان بأمر الله ووحيه. "وعن أبي العالية" رفيع بضم الراء مصغر بن مهران بكسر الميم، الرماحي بكسر الراء وتحتية، مولاهم البصري التابعي الكبير، أخرج له الجميع. "أنه صلى إلى بيت المقدس يتألف أهل الكتاب" وعن الزجاج امتحانا للمشركين؛ لأنهم ألقوا الكعبة "وهذا لا ينفي أن يكون