للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودمغ فيه الشرك وخرب محله، وهذا مع قلة عدد المسلمين، وكثرة العدو مع ما كانوا فيه من سوابغ الحديد، والعدة الكاملة، الخيل المسومة، والخيلاء الزائد، أعز الله به رسوله وأظهر وحيه وتنزيله، وبيض وجه النبي صلى الله عليه وسلم وقبيله، وأخزى الشيطان وجيله، ولهذا قال تعالى ممتنا على عباده المؤمنين وحزبه المتقين:.........................


ودمغ" الله "في الشرك أخفاه وأذهب شوكته، يقال: دمغه كسر عظم دماغه، فشبه الشرك بالدماغ المكسورة استعارة بالكناية، وأثبت الدمغ له تخييلا أو الاستعارة في الفعل فهي تبعية، "وخرب محله" أي: أهله الذين كانوا يعظمونه، أو خرب الأماكن التي كان ظاهرا فيها، والأول أظهر؛ لأن تخريب أماكنه إنما كان بعد فتح مكة بهدم العزى وتكسير هبل وإزالة جميع الأصنام. "وهذا" المذكور من عز الإسلام ودمغ الشرك حاصل "مع قلة عدد المسلمين وكثرة العدو" فهو آية ظاهرة على عناية الله تعالى بالإسلام وأهله، "مع ما" أي: حال "كانوا" أي: العدو "فيه من" القوة الحاصلة لهم بلبس "سوابغ الحديد" أي: الدروع الحديد السوابغ، أي: الواسعة من إضافة الصفة للموصوف وتقدير القوة إلخ؛ لأن السوابغ ليست حالا حتى يبين بها ما كانوا عليه.
"والعدة" بضم العين "الكاملة" أي: الاستعداد والتأهب، والعدة ما أعددته من المال والسلاح أو غير ذلك، كما في المصباح، فعطفه على ما قبله عطف عام على خاص على الثاني ومسبب على سبب على الأول. "والخيل" جمع لا واحد له من لفظه "المسومة" الراعية أو من السمة وهي العلامة أو البارعة الجمال، وذكره بعد العدة من الخاص بعد العام، "والخيلاء" بضم الخاء وكسرها الكبر "الزائد" فذكر رعاية لمعناه، وفي نسخة الزائدة بالهاء رعاية للفظة؛ لأن فيه ألف التأنيث، "أعز الله به رسوله وأظهر وحيه وتنزيله" أي: القرآن عطف أخص على أعم أو تفسير إن أريد الأعم على أن الوحي بمعنى الموحى والتنزيل بمعنى المنزل أعم من أن يكون لفظا أو معنى، "وبيض وجه النبي" كناية عن ظهور بهجة السرور، فأطلق البياض وأريد لازمه نحو يوم تبيض وجوه، أي: أظهر سرور النبي صلى الله عليه وسلم، "وقبيله" أي: أتباعه بالنصب عطف على رسوله أو على وجه بتقدير مضاف، أي: وبيض وجه قبيلة فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
"وأخزى الشيطان" إبليس وغيره من الشياطين "وجيله" أتباعه من أهل الضلال والزيغ نسبوا إليه لقبولهم ما وسوس به فضلوا عن الحق واتبعوه، أو المراد إبليس وأعوانه من الشياطين، والأول أولى لإفادته العموم في أنه أخرى شياطين الجن والأنس. "ولهذا قال تعالى ممتنا على عباده المؤمنين" قال شيخنا: أضافهم إليه تشريفا، فالمراد الكاملون في الإيمان، فقوله: "وحزبه" أي: أنصار دينه "المتقين" مساوٍ لما قبله بالنظر للتحقيق والوجود، وهو ما صدق عليه المؤمن والمتقي له في المفهوم، فإن العبد معناه الذي لا يملك لنفسه شيئا مع سيده، فكأنه قال: على

<<  <  ج: ص:  >  >>