للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: ١٢٣] أي قليل عددكم، لتعلموا أن النصر إنما هو من عند الله لا بكثرة العدد والعدد. انتهى.

فقد كانت هذه الغزوة أعظم غزوات الإسلام، إذ منها كان ظهوره، وبعد وقوعها أشرق على الآفاق نوره، ومن حين وقوعها أذل الله الكفار، وأعز الله من حضرها من المسلمين، فهو عنده من الأبرار.


عباده الذين لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، بل كانوا منقادين له بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} حال من الضمير، ولم يقل ذلائل، ليدل على قتلهم، "أي: قليل عددكم" فهو من ذكر السبب وإرادة المسبب وإلا فأذلة جمع ذليل ضد عزيز، وقلة العدد سبب لذلك، أي: قليلون بالنسبة إلى من لقيتم من المشركين من جهة أنهم كانوا مشاة إلا قليلا وعارين من السلاح؛ لأنهم لم يأخذوا أهبة القتال كما ينبغي، وإنما خرجوا لتلقي الغير بخلاف المشركين، "لتعلموا أن النصر إنما هو من عند الله" كما قال تعالى: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم} [آل عمران: ١٦٠] ، "لا بكثرة العدد" بفتح العين "والعدد" بضمها جمع عدة، كغرفة وغرف، "انتهى" كلام اب كثير.
"فقد كانت هذه الغزوة أعظم غزوات الإسلام" أي: أفضلها وأشرفها، قال في الاستيعاب: وليس في غزواته ما يصل لها في الفضل ويقرب منها غزوة الحديبية حيث كانت بيعة الرضوان، انتهى. فليس المراد العظم من حيث كثرة الجند والشدة؛ لأن في غيرها ما هو أقوى منها في ذلك، ويدل لهذا قوله: "إذ منها كان ظهوره" أي: كمال انتشار الإسلام وكثرة الداخلين فيه، "وبعد وقوعها أشرق على الآفاق" جمع أفق بضمتين وبسكون الفاء أيضا، كما مر في: وضاءت بنورك الأفق. وفي القاموس: الأفق بضمة وبضمتين الناحية، انتهى. أي: من الأرض والسماء "نوره" عدله وإصلاحه بعد الشدة التي كان فيها من المشركين، سماه نورا؛ لأنه يزين البقاع ويظهر الحقوق "ومن حين" أي: وقت "وقوعها أذل الله الكفار" بقتل صناديدهم وأسرهم، "وأعز الله من حضرها من المسلمين" والملائكة "فهو عنده من الأبرار" الأتقياء المقربين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "لعل الله أطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة "، أو: "فقد غفرت لكم".
وقال في حارثة بن سراقة الأنصاري: وقد أصيب يومئذ وأنه في جنة الفردوس وجاءه جبريل، فقال: "ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين، أو كلمة نحوها، قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة"، رواها البخاري وهي بشارة عظيمة، وقد قال العلماء: الترجي في كلام الله ورسوله للوقوع، على أن أحمد وأبا داود وغيرهما، ورووه بلفظ: "إن الله أطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل النار من شهد

<<  <  ج: ص:  >  >>