للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال عليه الصلاة والسلام: "أيها الناس أشيروا عليَّ"، وإنما يريد الأنصار. لأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا، نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا ونساءنا. وكان صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم. فلما قال ذلك عليه الصلاة والسلام:

قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك............................


وروى ابن مردويه وابن أبي حاتم، عن أبي أيوب، قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة: "إني أخبرت عن عير أبي سفيان، فهل لكم أن تخرجوا إليها لعل الله يغنمناها ويسلمنا"، قلنا: نعم، فخرجنا فلما سرنا يوما أو يومين، قال: "قد أخبروا خبرنا فاستعدوا للقتال"، فقلنا: لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم، فأعاد فقال المقداد: لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى، ولكن نقول: إنا معكما مقاتلون.
قال: فتمنينا معشر الأنصار، لو أنا قلنا كما قال المقداد، قال: فأنزل الله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: ٥] ، "ثم قال عليه الصلاة والسلام" ثالث مرة، "أيها الناس أشيروا عليَّ وإنما يريد الأنصار" كما ذكره سعد جوابا له، والمصنف تابع للفظ الرواية عند ابن إسحاق، فلذا لم يذكر جواب سعد، ثم يعلله بذلك وإن كان أولى على أنه ق يقال الأولى ما في الرواية للاهتمام بحكمة تكرير الاستشارة من سيد الحكماء مع حصول الجواب الكافي من المقداد بحضورهم وسكوتهم عليه وتمنيهم لو كانوا قالوا مثله، "لأنهم حين بايعوه بالعقبة، قالوا: يا رسول الله! إنا برآء من ذمامك" بكسر الذال، فسره البرهان بالحرمة، ويطلق على الضمان أيضا.
قال شيخنا: ولعله المراد، أي: من ضمان مناصرتك، "حتى تصل إلى دارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا نمعنك مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا ونساءنا، وكان صلى الله عليه وسلم يتخوف" يخشى "أن لا تكون الأنصار ترى" تعتقد "عليها نصرته إلا ممن دهمه" بفتح الدال وكسر الهاء وفتحها، كما في المصباح. أي: نزل به وفحاه "بالمدينة من عدوه" وذكر ابن القوطية: أن اللغتين في دهمتهم الخيل، وأن دهمه الأمر بالكسر فقط، "وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم، فلما قال ذلك عليه الصلاة والسلام، قال له سعد بن معاذ" السيد الذي هو في الأنصار بمنزلة الصديق في المهاجرين، صرح به البرهان في غير هذا الموضع: "والله لكأنك

<<  <  ج: ص:  >  >>