"ثم عاد صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم" فيه ترقيقهم عليهم واستعطافهم؛ لأن العفو بعد القدرة من شيم الكرام، "فقال عمر: يا رسول الله، اضرب أعناقهم، فأعرض عنه عليه الصلاة والسلام، ففعل ذلك ثلاثا" وما تغير عمر عن رأيه، "فقام أبو بكر الصديق" رضي الله عنه "فقال: يا رسول الله أرى أن تعفو عنهم" بفتح الهمزة والواو، أي: فلا تقتلهم، هكذا في نسخ صحيحة، "وأن تقبل منهم الفداء" بالفتح أيضا، أي: رأى عدم القتل استبقاء للقرابة ورجاء لإسلامهم مع أخذ الفداء مراعاة للجيش ليقووا على الكفار، وفي نسخة: أن تعف بحذف الواو فالهمزة فيهما مكسورة والجواب محذوف، أي: أن تعف مجانا فلا بأس إذ هم بنو العم والعشيرة، وإن تقبل مهم الفداء فلا بأس لأنا نستعين به، ودعوى أنها أليق بأدب الصديق مع المصطفى، فلا، ينسب لنفسه أمرا مردودة بأنه لكل مقام مقال، والمقام هنا بيان الرأي الذي طلبه المصطفى خصوصا مع مخالفة عمر وإعراضه عنه، وأيضا فالكسر يقتضي أنه خيره في العفو مجانا والأحاديث تأباه، كيف وقد صرح الصديق في رواية مسلم، بقوله: أرى أن تأخذ منهم الفدية. وفي رواية الترمذي وغيره: استبقهم وإني أرى أن تأخذ الفداء منهم. "فذهب من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان" ظهر "فيه من" التغير الدال على "الغم" من قول عمر وهوى ما قال أبو بكر "فعفا عنهم" فلم يقتلهم "وقبل منهم الفداء" فلم يسترقهم ولم يضرب عليهم جزية هذا، ولم يذكر عن علي جواب مع أنه أحد الثلاثة المستشارين، كما في مسلم؛ لأنه لما رأى تغير المصطفى حين اختلف الشيخان عليه لم يجب، أو لم تظهر له مصلحة حتى يذكرها، ولهذا لما ظهر لعبد الله بن رواحة الجواب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد تخصيص الثلاثة، قال -كما رواه الترمذي والجماعة: يا رسول الله! أنظر واديا كثير الحطب فأضرمه عليهم نارا، فقال العباس وهو يسمع ما يقول: قطعت رحمك. وفي رواية: ثكلتك أمك، فدخل صلى الله عليه وسلم بيته فقال أناس: يأخذ بقول عمر، وأناس بقول أبو