للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم مضى صلى الله عليه وسلم حتى دخل المدينة قبل الأساري بيوم


عمر أنها أسلمت يوم الفتح وكانت شاعرة محسنة:
يا راكبا إن الأثيل مظنة ... من صبغ خامسة وأنت موفق
أبلغ بها ميتا بأن تحية ... ما أن تزال بها النجائب تخفق
مني إليك وعبرة مسفوحة ... جادت بواكفها وأخرى تحنق
هل يسمعني النضر إن ناديته ... أم كيف يسمع ميت لا ينطق
أمحمد يا خير ضن كريمة ... في قومها والفحل فحل معرق
ما كان ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق
أو كنت قابل فدية فلينفقن ... بأعز ما يغلو به ما ينفق
فالنضر أقرب من أسرت قرابة ... وأحقهم إن كان عتق يعتق
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تشقق
صبرا يقاد إلى المنية متعبا ... رسف المقيد وهو عان موثق
فيقال إنه صلى الله عليه وسلم بكى حتى اخضلت لحيته، وقال: "لو بلغني هذا الشعر قبل قتله لمننت عليه". وفي رواية الزبير بن بكار: فرق صلى الله عليه وسلم حتى دمعت عيناه، وقال: "يا أبا بكر، لو سمعت شعرها ما قتلت أباها"، قال الزبير: سمعت بعض أهل العلم يغمز هذه الأبيات، ويقول: إنها مصنوعة. قال ابن المنير: وليس معنى كلامه صلى الله عليه وسلم الندم؛ لأنه لا يقول ولا يفعل إلا حقا والحق لا يندم على فعله، ولكن معناه: لو شفعت عندي بهذا القول لقلبت شفاعتها، ففيه تنبيه على حق الشافعة والضراعة ولا سيما الاستعطاف بالشعر، فإن مكارم الأخلاق تقتضي إجازة الشاعر وتبليغه قصده، انتهى.
والأثيل: بمثلثة مصغر أثل موضع. مظنة بفتح الميم وكسر المعجمة وفتح النون المشددة: تخفق تسرع، الواكف: السائل، تحنق بضم النون. والضن: الولد، معرى بفتح الراء وكسرها: العريق المغيظ بفتح الميم وكسر المعجمة وإسكان التحتية وظاء معجمة. وأقرب من أسرت، أي: من أقرب، وإلا فالعباس وغيره أقرب منه.
"ثم مضى صلى الله عليه وسلم حتى دخل المدينة قبل الأسارى بيوم" فدخلها من ثنية الوداع، مؤيدا منصورا قد خافه كل عدو له بها وحولها، فأسلم بشر كثير من أهل المدينة، ودخل عبد الله بن أبي في الإسلام ظاهرا، وقالت اليهود تيقنا: إنها لنبي الذي نجد نعته في التوراة، ولكن من يضلل الله فلا هادي له.

<<  <  ج: ص:  >  >>