"وقد استقر الحكم في الأسارى عند الجمهور أن الإمام مخير فيهم إن شاء قتل إياهم، كما فعل صلى الله عليه وسلم ببني قريظة، وإن شاء فادى بمال كما فعل ببعض أسرى بدر، كأبي العاصي بن الربيع زوج بنته زينب بعثت بقلادة لهاكانت خديجة أدخلتها بها عليه حين بنى بها فلما رآها صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، وقال: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها فافعلوا"، قالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردوا عليها الذي لها، رواه أبو داود وغيره من حديث عائشة، وكذا من على المطلب بن حنطب وقد أسلم كأبي العاصي رضي الله عنهما، وصيفي بن أبي رفاعة، وأبي عزة الجمحي وأخذ عليه أن لا يظاهر عليه أحدًا أبدا، فلم يفعل فقتله صلى الله عليه وسلم يوم أحد صبرا، "هذا مذهب الشافعي وطائفة من العلماء، وفي المسألة خلاف مقرر في كتب الفقه، والله أعلم" بالحق. وذكر أبو عبيد أنه صلى الله عليه وسلم لم يفد بعد بدر بمال إنما كان يمن أو يفادي أسيرا بأسير، قال السهيلي: وذلك والله أعلم، لقوله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} [الأنفال: ٦٧] الآية، يعني الفداء بالمال، وإن كان قد أحل ذلك وطيبه، ولكن ما فعله الرسول بعد ذلك أفضل من المن أو المفاداة بالرجال، ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤] الآية، كيف قدم المن على الفداء، فلذلك اختاره رسول الله وقدمه، انتهى. ومما يتصل بغزوة بدر هلاك أبي لهب فذكره المصنف كغيره، فقال: "و" روى ابن إسحاق