للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الله تبارك اسمه وتعالت عظمته جعل المصاهرة سببا لاحقا، أمرا مفترضا، أوشج به الأرحام، وألزم به الأنام"، فقال عز من قائل: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان: ٥٤] فأمر الله يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب، يمحو الله ما يشاء ويثبت


ويحتمل تخصيص الإكرام بالمؤمنين من الخلق، والأول أولى "إن الله تبارك اسمه، وتعالت عظمته، جعل المصاهرة"، المناكحة، "سببا" أمرا يتوصل به إلى اتصال بعض الأنساب ببعض "لاحقا" لازما لا يستغني عنه، ولا ينفك عن الناس. "وأمرا مفترضا" ثابتا، وهو قريب في المعنى مما قبله، فهو إطناب مستحسن في الخطب، "أوشج" بشين وجيم، أوصل "به الأرحام" القرابات، فإن من تزوج من قوم حصل بينه وبينهم قرابة بالنسل، ولم يذكر المجد، تعديته بالهمزة. وفي المغني: النقل بالهمزة قيل: كله قياسي، وقيل: سماعي في القاصر، والمتعدي إلى واحد. والحق أنه قياسي في القاصر، سماعي في غيره، وهذا ظاهر مذهب سيبويه، "وألزم" بلام وزاي، "به" بالتلبس بذلك السبب "الأنام"، وفي نسخة: بكاف وراء، من الإكرام "فقال عز من قائل: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} " [الفرقان: ٥٤] ، من المني إنسانا "فجعله نسبا"، أي: ذا نسب، "وصهرا" ذا صهر، بأن يتزوج ذكر أو أنثى طلبا للتناسل.
قال الكيا الهراسي: وهو يدل على أن الله جعل الماء سبب الاجتماع والتآلف والرضاع، وفيه إشارة إلى المحرمات بالنسب والسبب، وأن كل ذلك تولد من الماء، "فأمر الله يجري إلى قضائه"، هو إرادته إيجاد العالم على نظامه العجيب، كذا في شرح المشكاة للشهاب المكي، وفي شرحه للأربعين، هو عند الأشعرية إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه، وفي شرح المقاصد: هو عبارة عن وجود جميع الموجودات في العالم مجتمعة، ومجملة على سبيل الإبداع.
"وقضاؤه يجري إلى قدره" هو تعلق الإرادة بالأشياء في أوقاتها، كما في شرح المشكاة، وفي شرح الأربعين: إيجاده على ما يطابق العلم، وأنه يرحم من يشاء من خلقه فضلا، ويعذب من شاء عدلا، وفي شرح المقاصد: هو عبارة عن وجود مواد الموجودات الخارجية مفصلة واحدا بعد واحد، فيما لا يزال بشهادة وإن من شيء إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم، "ولكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل" مدة، "ولكل أجل كتاب" لكل وقت وأمد حكم مكتوب فيه تحديد، "يمحو" منه "ما يشاء ويثبت" بالتخفيف والتشديد، فيه ما يشاء من الأحكام وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>