للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية ابن سعد: فلما قتلوه وبلغوا بقيع الغرقد


رأسك؟ قال: نعم، فشمه، ثم أشم أصحابه، ثم قال: أتأذن لي؟ قال: نعم، فيحتمل أن كلا من محمد بن مسلمة وأبي نائلة استأذنه في ذلك.
وفي رواية الواقدي: وكان كعب يدهن بالمسك المفتت والعنبر حتى يتلبد في صدغيه، انتهى. فضربوه، فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا. قال محمد بن مسلمة: فذكرت مغولا في سيفي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئا، فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا أوقدت عليه نار، فوضعته في ثنته، ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته، فوقع عدو الله. إلى هنا رواية ابن إسحاق، وميزت الزائد عليها بعزو، أوله وقول انتهى آخره، وثنته، بضم المثلثة وشد النون المفتوحة، أي: سرته، كما هو رواية ابن سعد، والمغول، بكس الميم وسكون الغين المعجمة، وفتح الواو، شبه سيف قصير تغطيه الثياب، أو حديدة دقيقة لها حد ماض، وقفا أو سوط دقيق يسده الفاتك على وسطه ليغتال به الناس، كما في النهاية.
وعند ابن عائذ عن الكلبي: فضربوه حتى برد وصاح عند أول ضربة، واجتمعت اليهود، فأخذوا على غير طريق الصحابة ففاتوهم.
وعند ابن سعد: أنه صاح، وصاحت امرأته: يا آل قريظة والنضير مرتين، واستشكل قتله على هذا الوجه. وأجاب المازري: بأنه إنما قتله كذلك؛ لأنه نقض عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهجه وسبه، وكان عاهده أن لا يعين عليه أحدا، ثم جاءه مع أهل الحرب معينا عليه، قال عياض: وقدر لأن محمد بن مسلمة لم يصرح له بالأمان في شيء من كلامه، وإنما كلمه في أمر البيع والشراء، واشتكى إليه وليس في كلامه عهد ولا أمان، قال: ولا يح لأحد أن يقول إن قتله كان غدرا. وقد قال ذلك إنسان في مجلس علي بن أبي طالب، فأمر به فضربت عنقه، وإنما يكون الغدر بعد أمان، موجود وكعب كان قد نقض عهده صلى الله عليه وسلم ولم يؤمنه محمد ورفقته، لكنه استأنس بهم، فتمكنوا منه من غير عهد ولا أمان.
قال: وأما ترجمة البخاري على هذا الحديث، باب الفتك فليس معناه الغدر، بل الفتك هو القتل على غرة وغفلة، والغيلة نحوه، انتهى.
وأقره النووي وقال السهيلي في هذه القصة: قتل المعاهد إذا سب الشارع، خلافا لأبي حنيفة، ونظر فيه الحافظ بأن صنيع البخاري في الجهاد يعطي أن كعبا كان محارب حيث ترجم الفتك بأهل الحرب، وترجم له أيضا الكذب في الحرب، وفيه قتل المشرك بغير دعوة، إذا كانت الدعوة العامة قد بلغته، وجواز الكلام المحتاج إليه في الحرب، ولو لم يقصد قائله إلى حقيقته.
"وفي رواية ابن سعد: فلما قتلوه وبلغوا بقيع الغرقد،" قال عياض في المشارق بالموحدة، بلا خلاف، سميت به مقبرة المدينة لشجرات غرقد وهو العوسج، كان فيه، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>