"ولما بكى المسلمون على قتلاهم سُرَّ بذلك المنافقون" باطنًا، ولذا عبَّر بسُرَّ لإسلامهم ظاهرًا, حتى بعد أُحد, وإن خذلوا وأمروا بالتفرق، وقالوا: {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} ، فرد الله عليهم: {فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ} ، "وظهر غش اليهود" الذي كانوا يخفونه خوفًا من المسلمين؛ حيث تخيَّلوا وهنهم، فلذلك عبَّر بظهر لمخالفتهم في الظاهر والباطن، فقالوا: ما محمد إلّا طالب ملك، ما أصيب هكذا نبيّ قط, أصيب في بدنه وفي أصحابه، وما هذا البهتان بأقوى من قتلهم الأنبياء بغير حق. تتمة إيقاظ لئلَّا يغترَّ ناقص العلم بما قد وقع في سياق الحديث، فيسري إلى وهمه أنه يجوز اعتقاده أو التكلم به. "ذكر القاضي عياض في الشفاء عن القاضي أبي عبد الله" محمد بن خلف بن سعيد، المعروف ب"ابن المرابط, من المالكية" الإفريقي، فقيه بلده، ومفتيه وقاضيه، كان من أهل الفضل والفقه والتفنن, سمع أبا القاسم المهلب، وأجازه أبو عمر الطلمنكي، وشرح البخاري شرحًا كبيرًا حسنًا، ورحل إليه الناس وسمعوا منه. توفِّي بعد الثمانين وأربعمائة، "أنه قال: من قال إنَّ النبي -صلى عليه وسلم- هزم", وما في معناه من فَرَّ وهَرَب وتوارى واختفى؛ إذ العلة في ذلك تنقيصه, ولا توقف عندنا في ذلك، "يستتاب"" أي: يطلب منه الرجوع عمَّا قاله، "فإن تاب" قبلت توبته، "وإلّا قُتِلَ؛ لأنه تنقُّص" أي: ذم وتعييب، لكن في القاموس وغيره: انتقصه، فالمناسب أن يقول: لأنه انتقاص، والذي في الشفاء تنقيص بياء قبل الصاد، "إذ لا يجوز ذلك عليه في خاصيته" أي: لا مرخصه الله به، حيث ثبَّت قلبه، وألقى الرعب في قلوب أعدائه؛ "إذ هو على بصيرة من أمره" يعرف بها أن أحدًا لا يقدر على إصابته بسوء، "ويقين من عصمته", أي: عصمة الله له بحفظه، وأي يقين مثل ما وقع له يوم أُحد بحيث لم يبق معه غير طلحة وسعد في بعض الأوقات، وهو