قال جرير: تحسهم السيوف كما تسامى ... حريق النار في الأجمّ الحصيد قال ابن مسعود: ما كنت أرى أحدًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية يوم أحد: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: ١٥٢] الآية. رواه السدي، وقد يرد عليه قوله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} [الأنفال: ٦٧] الآية، فإنها نزلت في شأن بدر وهي قبل هذه. "ومنها: أنّ عادة الرسل أن تبتلى، وتكون لهم العاقبة" كما قاله هرقل لأبي سفيان, "والحكمة في ذلك: أن لو انتصروا دائمًا، لدخل في المسلمين من ليس منهم, ولم يتميز الصادق من غيره" كما قال تعالى: {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: ١٥٤] الآية، ذكره ليدل على أن ابتلاءه لم يكن لأنه يخفى عليه ما في الصدور وغيرها؛ لأنه عالم بجميع المعلومات، وإنما ابتلاهم لمحض الإلهية، أي: للاستصلاح. "ولو انكسرو دائمًا لم يحصل المقصود من البعثة، فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين ليتميز الصادق من الكاذب" كما قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: ١٧٩] الآية، أي: المنافقين من المؤمنين، "وذلك أن نفاق المنافقين كان مخفيًا عن المسلمين" أي: مستورًا، اسم مفعول من خفاء لا من خفي، فإنه لازم ولا يأتي المفعول منه إلّا بالصلة, "فلمَّا جرت هذه القصة وأظهر أهل النفاق ما أظهروه من الفعل والقول" كانخزالهم وقولهم: لو نعلم قتالًا لاتَّبعناكم، "عاد التلويح تصريحًا" أي: عاد ما كانوا يضمرونه ويتكلمون به فيما بينهم ويخفونه عن المسلمين مصرحًا