للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومنها: إن عادة الرسل أن تبتلى ثم تكون لهم العاقبة، والحكمة في ذلك أن لو انتصروا دائمًا لدخل في المسلمين من ليس منهم, ولم يتميز الصادق من غيره, ولو انكسروا دائمًا لم يحصل المقصود من البعثة، فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين ليتميّز الصادق من الكاذب, وذلك أنَّ نفاق المنافقين كان مخفيًا عن المسلمين, فلمَّا جرت هذه القصة وأَظْهرَ أهل النفاق ما أظهروه من الفعل والقول, عاد التلويح تصريحًا، وعرف المسلمون أن لهم عدوًّا في دورهم, فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم.

ومنها:


عليهم فلا تبرحوا من مكانكم حتى آمركم" , وعن قتادة ومجاهد: تحسونهم، أي: تقتلونهم. وقال البخاري وابن هشام: تستأصلونهم قتلًا، وهو من كلام أبي عبيدة.
قال جرير:
تحسهم السيوف كما تسامى ... حريق النار في الأجمّ الحصيد
قال ابن مسعود: ما كنت أرى أحدًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية يوم أحد: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: ١٥٢] الآية. رواه السدي، وقد يرد عليه قوله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} [الأنفال: ٦٧] الآية، فإنها نزلت في شأن بدر وهي قبل هذه.
"ومنها: أنّ عادة الرسل أن تبتلى، وتكون لهم العاقبة" كما قاله هرقل لأبي سفيان, "والحكمة في ذلك: أن لو انتصروا دائمًا، لدخل في المسلمين من ليس منهم, ولم يتميز الصادق من غيره" كما قال تعالى: {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: ١٥٤] الآية، ذكره ليدل على أن ابتلاءه لم يكن لأنه يخفى عليه ما في الصدور وغيرها؛ لأنه عالم بجميع المعلومات، وإنما ابتلاهم لمحض الإلهية، أي: للاستصلاح. "ولو انكسرو دائمًا لم يحصل المقصود من البعثة، فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين ليتميز الصادق من الكاذب" كما قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: ١٧٩] الآية، أي: المنافقين من المؤمنين، "وذلك أن نفاق المنافقين كان مخفيًا عن المسلمين" أي: مستورًا، اسم مفعول من خفاء لا من خفي، فإنه لازم ولا يأتي المفعول منه إلّا بالصلة, "فلمَّا جرت هذه القصة وأظهر أهل النفاق ما أظهروه من الفعل والقول" كانخزالهم وقولهم: لو نعلم قتالًا لاتَّبعناكم، "عاد التلويح تصريحًا" أي: عاد ما كانوا يضمرونه ويتكلمون به فيما بينهم ويخفونه عن المسلمين مصرحًا

<<  <  ج: ص:  >  >>