"ومنها: أنَّ الله تعالى هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته" الجنة، "لا تبلغها أعمالهم، فقيض لهم أسباب الابتلاء والمِحَن" جمع محنة، مساوٍ للابتلاء، "ليصلوا إليها" كما قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِين} [آل عمران: ١٤٢] . قال ابن إسحاق: أي: حسبتم أن تدخلوا الجنة فتصيبوا من ثوابي الكرامة، ولم أخبركم بالشدة، وأبتليكم بالمكاره، حتى أعلم أصدق ذلك منكم الإيمان بي, والصبر على ما أصابكم فيّ. "ومنها: أن الشهادة من أعلى مراتب الأولياء فساقهم إليها،" إكرامًا لهم؛ حيث اتخذ منهم شهداء، وقد قال -صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده, لولا أنَّ رجالًا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عنِّي, ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلَّفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله, ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل" رواه البخاري ومسلم وغيرهما. "ومنها: أنه أراد إهلاك أعدائه، فقيّض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك"؛ حيث اعتقدوا أنهم على شيء من ظفرهم الصوري بالمسلمين، فزادوا وعتوًّا وتجبرًا، وإلّا فقد ألقى في قلوبهم الرعب "من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه، فمحَّص ذنوب المؤمنين،" التمحيص التخليص من الشيء المعيب، وقيل: هو الابتلاء والاختيار. قال: رأيت فصيلًا كأن شيئًا ملفقًا ... فكشفه التمحيص حتى بداليا