للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما خرج -عليه الصلاة والسلام- مرهبًا للعدو، وليبلغهم أنه خرج في طلبهم؛ ليظنّوا به قوة، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم.


قال الحافظ ابن كثير: هذا سياق غريب جدًّا، فالمشهور عند أصحاب المغازي أنَّ الذين خرجوا إلى حمراء الأسد كل من شهد أُحدًا، وكانوا سبعمائة، قُتِلَ منهم سبعون، وبقي الباقون.
قال الشامي: والظاهر أنه لا تخالف بين قولي عائشة وأصحاب المغازي؛ لأن معنى قولها: فانتدب منهم سبعون، أنهم سبقوا غيرهم، ثم تلاحق الباقون, ولم ينبه على ذلك الحافظ في الفتح، انتهى.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أمّ مكتوم.
قال ابن سعد: ودعا -صلى الله عليه وسلم- بلوائه وهو معقود لم يحل, فدفعه إلى عليِّ، ويقال: إلى أبي بكر الصديق. "وإنما خرج -عليه الصلاة والسلام- مرهبًا." قال البرهان: بكسر الهاء, اسم فاعل، أي: مخيفًا "للعدو, وليبلغهم أنه خرج في طلبهم" عطف سبب على مسبب، أي: خرج ليبلغهم فيخافوا، وفي نسخة: حذف الواو وهو الذي في ابن إسحاق، وكذا في العيون عنه، "ليظنوا به قوةً, وأن الذي أصابهم لم يوهنهم", أي: لم يضعفهم، "عن عدوهم،" فهذا سبب الغزوة عند ابن إسحاق، وعند موسى بن عقبة وغيره أن سببها ما بلغه من إرادة أبي سفيان العود لاستئصال المسلمين، كذا جعله الشامي خلافًا، وانتقده شيخنا بأنَّ مثل هذا لا يستلزم أن يكون خلافًا في السبب، بل يجوز أنه لما بلغه خبر أبي سفيان خرج لإرهاب العدو حتى لا يرجعوا إلى المدينة, فذكر ابن عقبة السبب الحقيقي وهو بلوغ خبر أبي سفيان وابن إسحاق, ما أراده -صلى الله عليه وسلم- بعد بلوغ الخبر.
وذكر ابن سعد أنه -صلى الله عليه وسلم- ركب فرسه وهو مجروح، فبعث ثلاثة نفر من أسلم طليعةً في آثار القوم، فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الأسد, ولهم زجل, ويأتمرون بالرجوع, وينهاهم صفوان، فبصروا بالرجلين فقتلوهما، ومضوا ومضى -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه, ودليله ثابت بن الضحاك بن ثعلبة بن الخزرج، حتى عسكر بحمراء الأسد، فوجد الرجلين فدفنهما بقبر واحد.
وروى النسائي والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال: لما رجع المشركون عن أحد قالوا: لا محمدًا قتلتم ولا الكواعب أردفتم، بئسما صنعتم ارجعوا، فسمع بذلك -صلى الله عليه وسلم, فندب المسلمين فانتدبوا, حتى بلغ حمراء الأسد، أو بئر أبي عتبة، فأنزل الله -عز وجل: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول} [آل عمران: ١٧٢] الآية، وهذا قول أكثر المفسرين ورجَّحه ابن جرير.
وقال مجاهد وعكرمة: نزلت في بدر الصغرى.
قال ابن كثير: والصحيح الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>