قال ابن سعد: وكان المسلمون يوقدون تلك الليالي خمسمائة نار، حتى ترى من المكان البعيد، وذهب صوت معكسرهم ونيرانهم في كل وجه، فكبت الله بذلك عدوهم. وعند ابن إسحاق: أنه لقيه بحمراء الأسد معبد بن أبي معبد الخزاعي، فعزاه بمصاب أصحابه، وهو يومئذ مشرك، وأسلم بعد, كما جزم به ابن عبد البر وابن الجوزي، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان وأصحابه وهم بالروحاء، وقد أجمعوا الرجعة وقالوا: أصبنا في أُحد أصحاب محمد وقادتهم وأشرافهم، ثم نرجع قبل أن نستأصلهم؛ لنكِرنَّ عليهم فلنفرغنَّ منهم، فلمَّا رأى أبو سفين معبدًا قال: ما وراءك؟ قال: محمد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط, يتحرقون عليكم تحرقًا, قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم, وندموا على ما صنعوا, فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط، قال: ويلك ما تقول! قال: ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل، قال: لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم، قال: فإني أنهاك عن ذلك، فثنى ذلك المشركين فرجعوا إلى مكة. وروى ابن جرير عن ابن عباس قال: إن الله قذف في قلب أبي سفيان الرعب يوم أحد بعد الذي كان منه، فرجع إلى مكة. فقال -صلى الله عليه وسلم: "إن أبا سفين قد أصاب منكم طرفًا، وقذف الله في قلبه الرعب". "ثم رجع" -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء "إلى المدينة يوم الجمعة", لم يذكر ابن إسحاق وأتباعه يوم الجمعة، فلعله -صلى الله عليه وسلم- خرج من حمراء الأسد يوم الخميس، وبات بالطريق لغرض ما ليلة الجمعة، ثم دخل يومها، "وقد غاب خمسًا" كما جزم به البلاذري، "وظفر -عليه الصلاة والسلام- في مخرجه ذلك", أي: رجوعه من حمراء الأسد قبل روعه إلى المدينة "بمعاوية بن المغيرة بن أبي العاص" بن أمية بن عبد شمس، وهو جد عبد الملك بن مروان أبو أمه عائشة، "فأمر بضرب عنقه صبرًا" بأن أوثقه حتى أمر بقتله. قال ابن هشام: ويقال: إن زيد بن حارثة وعمَّار بن ياسر قتلاه بعد حمراء الأسد، كان لجأ إلى عثمان فاستأمن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فأمَّنه على أنه إن وجد بعد ثلاث قُتِل، فأقام بعد ثلاث