قلنا: فلم لم يضارع حروف المعاني؟ قال: لأنه لم يكتف به منها، ألا ترى أن حرف الجحد لازم له، وكذلك الحروف التي هي موجبة، كقولك: ما أتاني أحدٌ، وإن أتاك أحد فأكرمه، وهل من أحد؟ فجرى مجرى هل من رجل. وإن كان لا يقع إلا مع هذه الحروف فإنه كسائر الأسماء المتمكنة التي تقع موقعه في النفي وغير الإيجاب.
فهذا من مذهبه حسن.
وسألته عن هذا وهؤلاء، فزعم أنه موضوع موضع تنبه وانظر، فقال: هو مضارع لهذا الفعل المبني الذي ليس بمعرب، وذلك الفعل عنده إنما بني لأنه مضارع للزجر الذي هو حرف معنى كصه ومه.
وسألته عن حذام فقال: كان المؤنث جملة لا ينصرف في المعرفة، وحذام معدول في باب المعرفة، كعمر عن عامر في باب المعرفة، فلما عدل عمر عن اسم مصروف لم يصرف، ولما عدلت حذام عن اسم لا ينصرف لم يكن بعده إلا البناء. قال: فقلت له: هذا ترك ما شرطته في باب البناء أنه مضارع لحروف المعاني دون غيرها، فأي شيء يضارع به حذام حروف المعاني؟ فتغلغل في هذا إلى أن قال: فعال تعدل في أربعة أوجه: في باب الأمر والنهي، وفي النداء، والمصدر، وفي الاسم العلم، وهي في ذلك كله اسم معرفة مؤنث وبعضه مضارع لبعض. فالذي في باب الأمر مضارعٌ لمه وصه، وما ضارع المضارع جرى مجراه. يريد أن دراك بمعنى أدرك، كأنه مصروف عن الإدراك، موضوعٌ موضع الفعل المبني، وهي في باب النداء وباب المصدر وباب التسمية مضارعةٌ لهذا الباب، لأنها في هذا الموضع عدلٌ كما أن ذاك عدل، فقد ضارعت حروف المعاني لمضارعتها ما ضارعه.