كنا ذكرناه من أن التلميذ المنخرط في القرويين لا يَحرص إلا على إتْمام ما كان تلقى مبادئه في بلده، فحين ضعف هذا الْمَنْزَع من المدارس السوسية في طور الفتور؛ لَم يكن من بين السوسيين المنخرطين في القرويين من يَميلون إلى الأدب، على حين أننا نراهم يَحرصون غاية الحرص على التضلع في الفقه ومثله، مِمَّا تلقوا مبادئه في مدارس بلادهم، فيرجع بعضهم في نبوغ تضرب به الأمثال؛ كإبراهيم (التَّاكوشتي) الثاني وأمثاله، وفي إمكان من يدرس الأدب المغربي العام في هذا الطور أن يعين أحد هذه الأسباب، أو يَحكم بِمجموعها، ولَم نكن الآن بصدد ذلك.
رأينا في منبثق هذا الطور الثالث أسْمَاء رجالات ذكرناهم في نَمط واحد، وقد يسبق إلى الذهن -ونَحن نذكر أن إنعاش الأدب حوول في هذا الحين- أنَّهم كلهم لَهم أعمال في مُحاولة هذا الإنعاش، ودفعا لذلك نصرح بأننا لَم نقف من بينهم إلا على الهوزيوي وحده، فهو الذي صرَّح تلميذه أبو زيد الجشتيمي أنه يأخذ بأيدي تلاميذه إلى سَماء الفن الأدبي، ثُم يندو معهم فيطارحهم أدبيات، كما يلقي فيما بينه وبينهم دروسا توجيهية في النقد، فكانت النزه في بساتين تارودانت -في الخمسينات- منبعث هذا الانتعاش على الحقيقة، فقد ذكر أبو زيد (١) أنه كان هو وثلة حريصين على السمو في الأدب باستحثاث أستاذهم الهوزيوي، فيلقون مقطعات أدبية في مناسبات، ثُم يعرضونَها عليه فينتقدها نقد بصير بالفن، ثُم كانت الدروس اللغوية في كتب مُختلفة وقصائد مُختارة، مستقى ما يَمدهم به الأستاذ مِما يشحذ به أفكارهم، ثُم وراء ذلك إملاءاته ومنشداته التي يَحضهم على كتابتها، ثُم حفظها، هذا ما ذكره أبو زيد، وهذا القدر كاف في إدراك مقدار اعتناء الهوزيوي بِهذا الفن اعتناءا كبيرا، فلا غرو أن رأينا من تلاميذه مثل أبي زيد الجشتيمي، أبي النهضة التي سنتعرض لَها في الطور الرابع بِحول الله.
ثُم إن الهوزيوي مع هذا الاعتناء، لَم يتخرج به في الأدب -فيما نعلم مِمن كان له أثر مَحسوس- إلا أبو زيد، وقد ألَم أبو زيد لذلك، فأشار إلى قلة من كانوا يعنون بالأدب من بين تلاميذ الأستاذ الكثيرين، الذين لا يرون بالفقه وبِمثله من العلوم التي تنفق أسواقها وحدها في سوس إذ ذاك بديلا، فلم يكونوا ليأبَهوا بغيرها، متأثرين بالرأي العام
(١) (المعسول) من رسالة لأبي زيد المذكور في (القسم الثالث) بين الجشتيميين أهله.