للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المدرسي، ناظرين إلى ما لعله يكون مصدرا لثبات مستقبلهم الحيوي، على حين أن الأدب في نظر بيئتهم إنَّما هو فن الفكهين السادرين في غلوائهم، وفن من يتغزل تغزلا يترفع عن سفاسفه أهل الوقار العلمي، وما أكثرهم في كل عصر!.

انتقلت هذه الحركة التي تُحاول إنعاش الأدب العربي في مَجلس الدراسة من تارودانت إلى المدرسة الجشتيمية، فوضع الله البركة في الْحَركة الجشتيمية، فانبثت بِها روح سرت إلى غيرها، إمَّا بالأخذ من عندها، وإمَّا بالمنافسة، كما سنتعرض له من آثار عند غيرها.

والخلاصة: أن في منبثق فجر هذا الطور، رجالا تيسر لَهم أن كانوا أحياء في عهد واحد، فرأينا بعض آثار قليلة تبادلوها فيما بينهم وهي تكون أحيانا دون ما رأيناه في الطور الثاني -طور الفتور- في مَجموعه، ولكن هذا الطور الثالث- وإن كان دور ذلك في الإنتاج الفكري بِحسب ما عندنا- يَمتاز عليه باعتناء هذه المدرسة الهوزيوية، ثُم الجشتيمية بعدها، بنشر الفن بقدر المستطاع؛ لأن كلا عميدي المدرستين مطوق بأن يعتني بكل الفنون على اختلافها، وأن يلازم الوقار العلمي الرسمي، ثُم لَم نر من أحدهما أريحية إلا في خلسة، فكان ذلك علة واضحة لكون هذا الإنعاش بطيء السير، ثُم لَم تظهر آثاره إلا بعد حين، وذلك أيضا علة لقلة الآثار الأدبية عن عميدي هاتين المدرستين، حتى إن الهوزيوي نفسه مع هذا الاعتناء لَم نقف له إلى الآن على أثر، وهناك القاضي مُحمد بن صالِح الأديب (١)، فقد كنا وقفنا له على بعض آثار لا بأس بِها، ثُم وقفنا أخيرا على ديوان له جَمع فيه قصائد كثيرة، وغالبها إمَّا في الجانب النبوي، وإمَّا في أمير عهده مولاي سليمان، وهي قواف لَم تحظ كثيرا من البيان والبلاغة إلا بقليل، على رغم ما قال في ابن صالِح قرينه أبو زيد الجشتيمي، بأنه شاعر مفلق (٢).

هذه خلاصة ما عندنا عن هذا الطور الثالث، فلنسق بعض ما يقبل من بعض آثار هذا الطور، ولنختر ما يستعذب.


(١) ترجم له في (القسم الثالث) من (المعسول) ترجمة واسعة في مشيخة أبي زيد الجشتيمي.
(٢) (الحضيكيون) مخطوط، وقد خرجناه للطبع.

<<  <   >  >>