للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالأسباب، وضرب المصنف هنا- مثلًا- يوضح المقصود؛ حيث قال: «دافعين بذلك ما قد يخالف من آثار ذلك؛ كما يُزيل الإنسان الجوع الحاضر بالأكل»، والمقصود: أن الإنسان إذا كان جائعًا فإنه يدفع عن نفسه الجوع بالأكل.

وهو بهذا يرد على بعض مَنْ غلط من المتصوفة وزعم أن طلب الأكل أو الرزق عند الجوع ينافي التوكل، ويحثون الناس على ترك التكسب والأخذ بالأسباب.

وهذا الزعم ينافي الشرع والعقل؛ فلا بد من الأخذ بالأسباب؛ دنيوية كانت أو شرعية، وهذا الأخذ لا ينافي التوكل والاستعانة بالله ﷿، وضرب المصنف مثالًا آخر؛ فقال: «وكَذَلِكَ إِذا آن أَوانُ البرد، دَفعه باللباس، وكَذَلِكَ كلُّ مَطْلُوب يُدْفع بِهِ مَكْرُوه، كَمَا قَالُوا للنَّبِي : يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت أدوية نَتداوى بهَا ورُقى نسترقي بهَا وتُقى نتقي بهَا؛ هَلْ تردُّ مِنْ قدر الله شَيْئًا؟ فَقَالَ: «هِيَ مِنْ قَدَر الله»، وفِي الحَدِيث: «إِنْ الدُّعَاء والبَلَاءَ ليلتقيان فيَعتلجان بَين السَّمَاء والأَرْض».

ومعنى: «يعتلجان»، أي: يتصارعان؛ فأيُّهما غَلب أصاب، فهذا الذي ورد في الحديث معناه: أن الدعاء الذي يرفعه العبد إلى الله- يلتقي مع القضاء الذي قَدَّره الله ما بين السماء والأرض، ويحدث بينهما هذا اللقاء والتصارع؛ فإذا كان الدعاء مخلصًا رَدَّ الله به قضاءه الذي قَدَّره، هذا والدعاء- أيضًا- من قدر الله؛ لأن الله لو لم يشأ للإنسان أن يدعو لما استطاع، ولما وفَّقَه لذلك؛ فالقدر من الله والدعاء- أيضًا- من الله، وقد أعلمنا النبي أن هذا يدفع ذاك.

فالأخذ بالأسباب مِنْ القدر، والله هو مسبب الأسباب،

<<  <   >  >>