للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف : «وكل المَشَايِخ الَّذين يُقْتَدى بهم فِي الدَّين مُتَّفقون على مَا اتَّفق عَلَيْهِ سلفُ الأمة وأئمتها: مِنْ أَنْ الخَالِق سُبْحَانَهُ مُباين للمخلوقات، ولَيْسَ فِي مخلوقاته شَيْء مِنْ ذَاته، ولَا فِي ذَاته شَيْء من مخلوقاته، وأَنَّه يجب إِفْرَاد القَدِيم عَنْ الحَادِث، وتمييز الخَالِق عَنْ المَخْلُوق، وهَذَا فِي كَلَامهم أَكثر مِنْ أَنْ يُمكن ذِكره هُنَا.

وهم قد تكلمُوا على مَا يَعرض للقلوب من الأَمْرَاض والشُّبهات، فَإِنَّ بعض النَّاس قد يَشْهد وجود المَخْلُوقَات؛ فيَظنه خَالق الأَرْض والسَّمَاوات- لعدم التَّمْيِيز والفُرْقَان فِي قلبه- بِمَنْزِلَة مَنْ رأى شُعَاع الشَّمْس فَظن أَنْ ذَلِك هُو الشَّمْس الَّتِي فِي السَّمَاء.

وهم قد يَتَكَلَّمُونَ فِي الفرق والجمع، ويدخل فِي ذَلِك من العبارَات المُخْتَلفَة نَظِير مَا دخل فِي الفناء.

فَإِنْ العَبْد إِذا شهد التَّفْرِقَة والكَثْرَة فِي المَخْلُوقَات- يبْقى قلبُه مُتَعَلقًا بهَا مشتتًا نَاظرًا إِلَيْهَا، وتعلقه بهَا؛ إِمَّا محبَّة، وإِمَّا خوفًا، وإِمَّا رَجَاء، فَإِذا انْتقل إِلَى الجمع اجْتَمع قلبه على تَوْحِيد الله وعبادته وحده لَا شريكَ لَهُ، فَالتَفت قلبه إِلَى الله بعد التفاته إِلَى المخلوقين؛ فَصَارَت محبته إِلَى ربِّه، وخوفه من ربِّه، ورجاؤه لرَبِّه، واستعانته بربه، وهُو فِي هَذَا الحَال قد لَا يَسع قلبه النَّظر إِلَى المَخْلُوق؛ ليفرق بَين الخَالِق والمخلوق، فقد يكون مجتمعًا على الحقِّ مُعرضًا

<<  <   >  >>