للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف : «وهَؤُلَاء المُشْركُونَ الضالون يسوُّون بَين الله وبَين خلقه، والخليل يَقُول: ﴿أَفَرَأَيْتُم مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ * أَنْتُم وآباؤكم الأقدمون * فَإِنَّهُم عَدو لي إِلَّا رب العَالمين﴾ [الشُّعَرَاء: ٧٥ - ٧٧]، ويتمسكون بالمتشابه من كَلَام المَشَايِخ، كَمَا فعلت النَّصَارَى.

مِثَال ذَلِك: اسْم (الفناء)؛ فَإِنْ الفناء ثَلَاثَة أَنْواع:

نوع للكاملين من الأَنْبِيَاء والأولياء.

ونَوع للقاصدين من الأَوْلِيَاء والصَّالِحِينَ.

ونَوع لِلمُنَافِقين المُلحِدِينَ المشبهين.

فَأَما الأول: فَهُو الفناء عَنْ إِرَادَة مَا سوى الله؛ بِحَيْثُ لَا يُحب إِلَّا الله، ولَا يعبد إِلَّا إِيَّاه، ولَا يتوكل إِلَّا عَلَيْهِ، ولَا يطْلب من غَيره. وهُو المَعْنى الَّذِي يجب أَنْ يقْصد بقول الشَّيْخ أبي يزِيد؛ حَيْثُ قَالَ: (أُرِيد ألَّا أُرِيد إِلَّا مَا يُرِيد)، أَي: المُرَاد المحبوب المرضي، وهُو المُرَاد بالإرادة الدِّينِيَّة. وكَمَال العَبْد: أَلا يُرِيد ولَا يُحب ولَا يرضى إِلَّا مَا أَرَادَهُ الله ورَضِيَه وأحبه، وهُو مَا أَمر بِهِ أَمر إِيجَاب أَوْ اسْتِحْبَاب، ولَا يُحب إِلَّا مَا يُحِبهُ الله؛ كالملائكة والأنبياء والصَّالِحِينَ، وهَذَا معنى قَوْلهم فِي قَوْله: ﴿إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم﴾ [الشُّعَرَاء: ٨٩]، قَالُوا: هُو السَّلِيم مِمَّا سوى الله، أَوْ مِمَّا سوى عبَادَة الله، أَوْ مِمَّا سوى إِرَادَة الله، أَوْ مِمَّا سوى محبَّة الله، فَالمَعْنى واحِد، وهَذَا المَعْنى إِنْ سُمِّي فنَاء أَوْ لم يسم، هُو أول الإِسْلَام

<<  <   >  >>