للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف : «فهذا عبدُ ما يهواه من ذلك، وهو رقيقٌ له؛ إذ الرق والعبودية في الحقيقة: هو رِقُّ القلب وعبوديته، فما استرق القلب واستعبده فهو عبده، ولهذا يقال:

العبدُ حُرٌّ ما قَنع * والحرُّ عبدٌ ما طَمِع (١)

وقال القائل:

أطعتُ مطامعي فاستعبدتني * ولو أني قنعتُ لكنت حرًّا (٢)

ويقال: الطمع غُلٌّ في العنق، قيد في الرِّجْل، فإذا زال الغُل من العنق زال القيد من الرِّجْل.

ويُروى عن عمر بن الخطاب ? أنه قال: «الطمعُ فَقر، واليَأس غنى، وإنَّ أحدكم إذا يئس مِنْ شيء استغنى عنه» (٣).

وهذا أمر يجده الإنسان من نفسه، فإن الأمر الذي ييأس منه لا يطلبه، ولا يطمع به، ولا يبقى قلبه فقيرًا إليه، ولا إلى مَنْ يفعله. وأمَّا إذا طمع في أمر من الأمور ورجاه، فإن قلبه يتعلق به؛ فيصير فقيرًا إلى حصوله وإلى مَنْ يظن أنه سبب في حصوله، وهذا في المال والجاه والصُّور وغير ذلك؛ قال الخليل : ﴿فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون﴾ [العنكبوت: ١٧].


(١) عزاه الأبشيهي في «المستطرف في كل فن مستظرف» للكندي (١/ ١٥٥).
(٢) البيت لأبي العتاهية. انظر «ديوانه» (ص ٦١)، وذكر الدميري في «حياة الحيوان الكبرى» أن الحلَّاج- عليه من الله ما يستحق- قاله عند قتله (١/ ٣٤٨).
(٣) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (١/ ٣٥٤) برقم (٩٩٨)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (٤٤/ ٣٥٧).

<<  <   >  >>