للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف : «نعم، قد يسْلك المُحب- لضعف عقله وفَسَاد تصَوره- طَرِيقًا لَا يحصل بهَا المَطْلُوب. فَمثل هَذِه الطَّرِيق لَا تُحمد إِذا كَانَتْ المحبَّة صَالِحَة محمودة، فَكيف إِذا كَانَتْ المحبَّة فَاسِدَة والطَّرِيق غير موصل؟! كَمَا يَفْعَله المتهورون فِي طلب المَال الرِّئَاسَة والصور، من حبِّ أُمُور تُوجب لَهُمْ ضَرَرًا، ولَا تحصل لَهُمْ مَطْلُوبًا، وإِنَّمَا المَقْصُود الطّرق الَّتِي يَسلكها العقل السَّلِيم لحُصُول مَطْلُوبه.

إِذا تبين هَذَا، فَكلما ازْدَادَ القلب حبًّا لله ازْدَادَ لَهُ عبودية، وكلما ازْدَادَ لَهُ عبودية ازْدَادَ لَهُ حبًّا وفضَّلَه عَمَّا سواهُ. والقلب فَقير بِالذَّاتِ إِلَى الله مِنْ وَجْهَيْن: من جِهَة العِبَادَة، وهِي العلَّة الغائية، ومن جِهَة الِاسْتِعَانَة والتوكل، وهِي العلَّة الفاعلة. فالقلب لَا يصلح، ولَا يفلح، ولَا ينعم، ولَا يسر، ولَا يلتذ، ولَا يطيب، ولَا يَسكن، ولَا يطمئن إِلَّا بِعبَادة ربه وحبه والإنابة إِلَيْهِ، ولَو حصل لَهُ كل مَا يلتذ بِهِ من المَخْلُوقَات لم يَطمئن ولم يَسكن؛ إِذْ فِيهِ فقر ذاتي إِلَى ربِّه، ومن حَيْثُ هُو معبوده ومحبوبه ومطلوبه، وبِذَلِك يحصل لَهُ الفَرح والسُّرُور واللذة والنِّعْمَة والسكون والطمأنينة».

جمع الله بين العبادة والاستعانة في قوله تعالى: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ [الفاتحة: ٥]، قال ابن كثير في تفسيرها: «أي: لا نَعبد إلا إيَّاك، ولا نَتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة.

<<  <   >  >>