قال المصنف ﵀: «وتحرير ذَلِك: أَنْ العَبْد يُرَاد بِهِ المعبَّد الَّذِي عبَّده الله، فذلَّلَه ودبَّره وصرَّفه.
وَبِهَذَا الِاعْتِبَار: فالمخَلوقون كلهم عباد الله: الْأَبْرَار مِنْهُم والفجار، والمؤمنون وَالكفَّار، وَأهل الجَنَّة وَأهل النَّار؛ إِذْ هُوَ رَبُّهم كلهم ومليكُهم، لَا يخرجُون عَنْ مَشِيئَته وَقُدرته، وكلماته التَّامَّات الَّتِي لَا يُجاوزهن بَرٌّ وَلَا فَاجر؛ فَمَا شَاءَ كَانَ وَإِنْ لم يشاءوا. وَمَا شَاءُوا إِنْ لم يشأه لم يكن، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أفغير دين الله يَبْغُونَ وَله أسلم من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها وَإِلَيْهِ يرجعُونَ﴾ [آل عمران: ٨٣]. فَهُوَ سُبْحَانَهُ ربُّ الْعَالمين، وخالقهم ورازقهم ومحييهم ومُميتهم، ومقلب قُلُوبهم ومصرف أُمُورهم، لَا ربَّ لَهُمْ غَيره، وَلَا مَالك لَهُمْ سواهُ، وَلَا خَالق لَهُمْ إِلَّا هُوَ؛ سَوَاء اعْتَرَفُوا بذلك أَوْ أنكروه، وَسَوَاء علمُوا ذَلِك أَوْ جهلوه؛ لَكِن أهل الْإِيمَان مِنْهُم عرفُوا ذَلِك وآمنوا بِهِ؛ بِخِلَاف مَنْ كَانَ جَاهِلًا بذلك؛ أَوْ جاحدًا لَهُ مستكبرًا على ربِّه، لَا يُقِرُّ وَلَا يخضع لَهُ؛ مَعَ علمه بِأَنَّ الله ربه وخالقه. فالمعرفة بِالْحَقِّ إِذا كَانَتْ مَعَ الاستكبار عَنْ قبُوله والجحد لَهُ- كَانَ عذَابًا على صَاحبه، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المفسدين﴾ [النَّمل: ١٤]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم وَإِنْ فريقا مِنْهُم ليكتمون الْحق وهم يعلمُونَ﴾ [البقرة: ١٤٦]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قد نعلم إِنَّه ليحزنك الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك وَلَكِن الظَّالِمين بآيَات الله يجحدون﴾ [الأنعام: ٣٣].
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute