للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَإِذا عَرف العَبْدُ أَنَّ اللهَ ربَّه وخالقه، وَأَنَّه مُفتقر إِلَيْهِ مُحْتَاج إِلَيْهِ- عرف الْعُبُودِيَّة الْمُتَعَلِّقَة بربوبية الله. وَهَذَا العَبْد يَسْأَل ربَّه ويتضرع إِلَيْهِ ويتوكل عَلَيْهِ، لَكِن قد يُطِيع أمره وَقد يَعصيه، وَقد يعبده مَعَ ذَلِك، وَقد يعبد الشَّيْطَانَ والأصنامَ. وَمثل هَذِه الْعُبُودِيَّة لَا تُفَرِّق بَين أهل الجَنَّة وَأهل النَّار، وَلَا يَصير بهَا الرجلُ مُؤمنًا، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم مشركون﴾ [يوسف: ١٠٦]؛ فَإِنْ الْمُشْركين كَانُوا يُقِرُّونَ أَنْ الله خالقهم ورازقهم وهم يَعْبدُونَ غَيره؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلتهمْ مَنْ خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض ليَقُولن الله﴾ [لقمان: ٢٥]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قل لمن الأَرْض وَمن فِيهَا إِنْ كُنْتُم تعلمُونَ * سيقولون لله قل أَفلا تذكرُونَ * قل من رب السَّمَاوَات السَّبع وَرب الْعَرْش الْعَظِيم * سيقولون لله قل أَفلا تَتَّقُون * قل من بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء وَهُوَ يجير وَلَا يجار عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُم تعلمُونَ * سيقولون لله قل فَأنى تُسحرون﴾ [المؤمنون: ٨٤ - ٨٩].

وَكثير مِمَّنْ يتَكَلَّم فِي الْحَقِيقَة فيشهدها، لَا يَشْهد إِلَّا هَذِه الْحَقِيقَة، وَهِي الحَقِيقَة الكونية الَّتِي يَشْتَرك فِيهَا وَفِي شهودها وَفِي مَعْرفَتهَا الْمُؤمنُ وَالْكَافِرَ وَالْبَرُّ والفاجر. بل وإبليس معترف بِهَذِهِ الْحَقِيقَة وَأهل النَّار؛ قَالَ إِبْلِيس: ﴿رب فأنظرني إِلَى يَوْم يبعثون﴾ [الحجر: ٣٦]، و ﴿قَالَ رب بِمَا أغويتني لأزينن لَهُمْ فِي الأَرْض ولأغوينهم أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر: ٣٩]، وقال: ﴿فبعزتك لأغوينهم أَجْمَعِينَ﴾ [ص: ٨٢]، وَقَالَ: ﴿أرأيتك هَذَا الَّذِي كرمت عَليّ لَئِنْ أخرتن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لأحتنكن ذُريَّته إِلَّا قَلِيلا﴾ [الإسراء: ٦٢]، وأمثال هَذَا من الْخطاب الَّذِي يُقِرُّ فِيهِ بِأَنَّ الله ربه وخالقه وخالق غَيره، وَكَذَلِكَ أهل النَّار قَالُوا: ﴿رَبنَا غلبت علينا شِقْوَتنَا وَكُنَّا قوما ضَالِّينَ﴾ [١٠٦ المؤمنون: ١٠٦]، وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُم: ﴿وَلَو ترى إِذْ وقفُوا على رَبهم قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بلَى وربنا﴾ [الأنعام: ٣٠].

<<  <   >  >>