للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف : «وهَذَا هُو حَقِيقَة دين الإِسْلَام الَّذِي أرسل الله بِهِ رسله، وأنزل بِهِ كتبه، وهُو أَنْ يستسلم العَبْد لله لَا لغيره، فالمُستسلم لَهُ ولغيره مُشْرك، والممتنع عَنْ الاستسلام لَهُ مستكبر. وقد ثَبت فِي «الصَّحيح» عَنْ النَّبِي : أَنْ «الجنَّة لَا يدخلهَا مَنْ كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذَرَّة مِنْ كِبر» (١). كَمَا أَنَّ النَّار لَا يخلد فِيهَا مَنْ كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من إِيمَان، فَجعل الكبر مُقَابلًا للإيمَان؛ فَإِنْ الكبر يُنَافِي حَقِيقَة العُبُودِيَّة، كَمَا ثَبت فِي «الصحيح» عَنْ النَّبِي أَنه قَالَ: «يَقُول الله: العظمةُ إزَارِي، والكبرياء رِدَائي؛ فَمَنْ نازعني واحِدًا مِنْهُمَا عَذَّبْتُه» (٢)، فالعظمة والكبرياء من خَصَائِص الربوبية، والكبرياء أَعلَى من العظمة، ولِهَذَا جعلهَا بِمَنْزِلَة الرِّدَاء، كَمَا جعل العظمة بِمَنْزِلَة الإِزَار.

ولِهَذَا كَانَ شعار الصَّلَاة والأَذَان والأعياد هُو التَّكْبِير، وكَانَ مُسْتَحبًّا فِي الأَمْكِنَة العَالِيَة؛ كالصَّفا والمروة (٣)، وإِذا علا الإِنْسَان


(١) أخرجه مسلم (٩١) من حديث عبد الله بن مسعود ?.
(٢) أخرجه مسلم (٢٦٢٠) عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا: قال رسول الله : «العِزُّ إزاره، والكبرياء رداؤه؛ فمَن يُنازعني عَذَّبْتُه».
(٣) أخرج مسلم (١٢١٨) من حديث جابر في ذكر حجته ، وفيه: « … فبدأ بالصَّفا، فرقي عليه، حتى رأى البيت فاستقبل القبلة؛ فوَحَّد الله وكبره، وقال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده»، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مَرَّات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صَعِدَتا مَشى، حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصَّفا … ».

<<  <   >  >>