للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف رحمه الله تعالى: «ومن هؤلاء طائفة هم أعلاهم عندهم قَدْرًا، وهم مُستمسكون بما اختاروا بهواهم من الدين في أداء الفرائض المشهورة، واجتناب المُحَرَّمات المشهورة، لكن يَضِلُّون بترك ما أُمروا به من الأسباب التي هي عبادة؛ ظَانِّين أن العارف إذا شهد القَدَر أعرض عن ذلك؛ مثل مَنْ يجعل التوكل منهم أو الدعاء ونحو ذلك من مقامات العامَّة دون الخاصَّة، بناء على أنَّ من شهد القَدَر عَلِم أنَّ ما قُدِّر سيكون، فلا حاجة إلى ذلك، وهذا ضلال مبين.

فإنَّ الله قدَّر الأشياء بأسبابها، كما قدَّر السعادة والشقاوة بأسبابهما، كما قال النبي : «إنَّ اللهَ خلق للجنَّة أهلًا، خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وبعمل أهل الجَنَّة يَعملون، وخلق للنَّار أهلًا خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وبعمل أهل النار يعملون» (١)، وكما قال النبي لما أخبرهم بأنَّ اللهَ كتب المقادير، فقالوا: يا رسول الله، أَفَلَا نَدَعُ العمل، ونتَّكِلُ على الكتاب؟ فقال: «لا، اعملوا؛ فكلٌّ مُيَسَّر لما خُلق له، أمَّا مَنْ كان من أهل السَّعادة، فَسَيُيَسَّر لعمل أهل السعادة، وأمَّا مَنْ كان من أهل الشَّقاوة فسَيُيَسَّر لعمل أهل الشقاوة» (٢).

فكل ما أمر الله به عباده من الأسباب فهو عبادة، والتوكل مقرون بالعبادة، كما في قوله تعالى: ﴿فاعبده وتوكل عليه﴾ [هود: ١٢٣]، وفى


(١) أخرجه مسلم (٢٦٦٢) من حديث عائشة .
(٢) أخرجه البخاري (٤٩٤٩) ومسلم (٢٦٤٧) من حديث عليٍّ ?.

<<  <   >  >>