للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف : «وقد قدمنَا أَنْ محبَّة الله تَعَالَى هِيَ: محبتُه ومحبة مَا أحب، كَمَا فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ النَّبِيِّ أَنه قَالَ: «ثَلَاث مَنْ كن فِيهِ وجد حلاوة الإِيمَان: مَنْ كَانَ اللهُ ورَسُولُه أحبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا، ومَن كَانَ يحب المَرْءَ لَا يُحِبهُ إِلَّا لله، ومن كَانَ يكره أَنْ يَرجع فِي الكفْر بعد إِذْ أنقذه الله مِنْهُ، كَمَا يَكره أَنْ يلقى فِي النَّار» (١). أخبر النَّبِيُّ أَنْ مَنْ كَانَ فِيهِ هَذِه الثَّلَاث؛ وجد حلاوة الإِيمَان؛ لِأَن وَجْدَ الحَلَاوة بالشَّيْء يتبع المحبَّة لَهُ، فَمن أحبَّ شَيْئًا أَوْ اشتهاه، إِذا حصل لَهُ مُرَاده، فَإِنَّهُ يجد الحَلَاوة واللذة والسُّرُور بذلك، واللذة أَمر يحصل عَقيب إِدْرَاك الملائم الَّذِي هُو المحبوب أَوْ المشتهى. ومَن قَالَ: إِنْ اللَّذَّة إِدْرَاك الملائم- كَمَا يَقُوله مَنْ يَقُوله من المتفلسفة والأطباء- فقد غلط فِي ذَلِك غَلطًا بَينًا، فَإِنْ الإِدْرَاك يتوسط بَين المحبَّة واللذة، فَإِنَّ الإِنْسَان- مثلًا- يَشْتَهِي الطَّعَام، فَإِذا أكله حصل لَهُ عقيب ذَلِك اللَّذَّة، فاللذة تتبع النَّظر إِلَى الشَّيْء، فَإِذا نظر إِلَيْهِ التذ بِهِ. واللذة الَّتِي تتبع النّظر لَيست نفس النّظر، ولَيْسَت هِيَ رُؤْيَة الشَّيْء، بل تَحصل عقيب رُؤْيَته، وقَالَ تَعَالَى: ﴿وفيهَا مَا تشتهيه الأَنْفس وتلذ الأَعْين﴾ [الزخرف: ٧١]، وهَكَذَا جَمِيع مَا يحصل للنَّفس من اللَّذَّات والآلام: من فَرح وحزن ونَحْو ذَلِك يَحصل بالشعور بالمحبوب، أَوْ الشُّعُور بالمكروه، ولَيْسَ نفس الشُّعُور هُو الفَرح ولَا الحزن.

فحلاوة الإِيمَان المتضمنة من اللَّذَّة بِهِ والفرح مَا يَجده المُؤمن


(١) أخرجه البخاري (١٦) ومسلم (٤٣) من حديث أنس ?، وقد تقدم.

<<  <   >  >>