للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف : «وهذا مقامٌ عظيم فيه غلط الغالطون، وكثر فيه الاشتباه على السالكين حتَّى زَلِقَ فيه من أكابر الشيوخ- المُدَّعين للتحقيق والتوحيد والعرفان- ما لا يُحصيهم إلا الله الذي يَعلم السِّرَّ والإعلان».

يشير المصنفُ بهذا إلى بعض كبار شيوخ المتصوفة المُدَّعين للتحقيق والتوحيد والعرفان؛ إذ وقع هؤلاء في هذا المزلق الخطير، وهو إقصاؤهم للأمور الشرعية، وتركيزهم على الحقائق الكونية القدرية، وإن كان نظرهم كذلك هو نظر الجبرية.

فالصوفية والجبرية يتكلمون بلسان واحد في باب القَدَر، فإذا ذكر الصوفية في هذه المسائل فاعلم أنَّهم جبرية؛ فهم والجهمية في خندق واحد، مع تعطيلهم لباب الحقائق الدينية، ومع تعطيلهم للأوامر والنواهي، فما أراده الجَهْمُ (١) - وهو أول مَنْ برز بعد الجعد (٢)


(١) هو جهم بن صفوان؛ أبو محرز الراسبي مولاهم، السمرقندي، الكاتب، المتكلم، أُسُّ الضلالة، ورأس الجهمية. كان صاحب ذكاء وجدال، وكان ينكر الصفات، وينزه الباري عنها بزعمه، ويقول بخلق القرآن، ويقول: إن الله في الأمكنة كلها.
وكان يقول: الإيمان عقد بالقلب، وإن تلفظ بالكفر. قيل: إن سلم بن أحوز قتل الجهم؛ لإنكاره أن الله كلم موسى. ينظر «سير أعلام النبلاء» (٦/ ٢٦، ٢٧).
(٢) الجعد بن درهم: هو أول مَنْ ابتدع بأنَّ الله ما اتخذ إبراهيم خليلًا، ولا كلَّم موسى، وأن ذلك لا يجوز على الله. قال المدائني: كان زنديقًا. وقد قال له وهب: إني لأظنك من الهالكين، لو لم يُخبرنا الله أنَّ له يدًا، وأنَّ له عينًا ما قلنا ذلك. ثم لم يلبث الجعد أن صُلب. ينظر «سير أعلام النبلاء» (٦/ ٢٦، ٢٧).

<<  <   >  >>