للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف : «فكما أنَّ طمعه في المخلوق يُوجب عبوديته له، فيَأسه منه يُوجب غنى قلبه عنه، كما قيل: «استغن عمَّن شئت تَكن نظيره، وأفْضِلْ على مَنْ شئت تكن أميره، واحتج إلى مَنْ شئت تكن أسيره» (١)، فكذلك طمع العبد في ربِّه ورجاؤه له يوجب عبوديته له، وإعراض قلبه عن الطلب من الله والرجاء له- يوجب انصراف قلبه عن العبودية لله، لا سيما مَنْ كان يرجو المخلوق ولا يرجو الخالق؛ بحيث يكون قلبه معتمدًا إمَّا على رئاسته وجنوده وأتباعه ومماليكه، وإمَّا على أهله وأصدقائه، وإمَّا على أمواله وذخائره، وإمَّا على ساداته وكبرائه؛ كمالكه ومَلِكه وشيخه ومخدومه وغيرهم، ممن هو قد مات أو يموت؛ قال تعالى: ﴿وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرًا﴾ [الفرقان: ٥٨].

وكل مَنْ علق قلبه بالمخلوقات أن ينصروه أو يرزقوه، أو أن يهدوه- خضع قلبه لهم، وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك، وإن كان في الظاهر أميرًا لهم مدبِّرًا لأمورهم، متصرفًا بهم.

فالعاقل ينظر إلى الحقائق لا إلى الظواهر؛ فالرجل إذا تعلق قلبه بامرأة- ولو كانت مُباحة له- يبقى قلبه أسيرًا لها تحكم فيه وتتصرف بما تريد، وهو في الظاهر سيدها؛ لأنه زوجها أو مالكها، ولكنه في الحقيقة هو أسيرُها ومملوكها، ولا سيما إذا علمت بفقره


(١) أخرجه الدينوري في «المجالسة وجواهر العلم» (٦/ ٢٨٣) برقم (٢٦٤٠) عن بعض الحكماء.

<<  <   >  >>