للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف : وقد جعل الله لأهل مَحبته علامتين: اتِّبَاع الرَّسُول، والجهَاد فِي سَبيله، وذَلِكَ لِأَن الجِهَاد حَقِيقَته الِاجْتِهَاد فِي حُصُول مَا يُحِبهُ الله من الإِيمَان والعَمَل الصَّالح، ومَن دفع مَا يبغضه الله من الكفْر والفسوق والعصيان، وقد قَالَ تَعَالَى: ﴿قل إِنْ كَانَ آباؤكم وأبناؤكم وإِخْوانكُمْ وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إِلَيْكُم من الله ورَسُوله وجِهَاد فِي سَبيله فتربصوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره﴾ [التَّوْبَة: ٢٤]، فتوعد مَنْ كَانَ أَهله ومَاله أحب إِلَيْهِ مِنْ الله ورَسُوله والجهَاد فِي سَبيله بِهَذَا الوعيد. بل قد ثَبت عَنهُ فِي «الصحيح» أَنه قَالَ: «والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحبَّ إِلَيْهِ من ولَده ووالده والنَّاس أَجْمَعِينَ» (١). وفِي «الصحيح» «أَنْ عمر بن الخطاب قَالَ: يَا رَسُول الله، لأَنْت أحبُّ إِلَيَّ مِنْ كلِّ شَيْء إِلَّا مِنْ نفسي، فَقَالَ: «لَا يَا عمر حَتَّى أكون أحبَّ إِلَيْك من نَفسك». فَقَالَ: فواللَّه لأَنْت أحب إِلَيَّ من نَفسِي. فَقَالَ: «الآن يَا عُمر» (٢).

فحقيقة المحبَّة لَا تتمُّ إِلَّا بموالاة المحبوب، وهُو مُوافَقَته فِي حب مَا يحب وبغض مَا يُبغض، والله يحبُّ الإِيمَان والتَّقوى، ويُبغض الكفْر والفسوق والعصيان.

ومَعْلُوم أَنَّ الحبَّ يُحَرِّك إِرَادَة القلب، فَكلما قويت المحبَّة فِي القلب طلب القلب فعل المحبوبات، فَإِذا كَانَتْ المحبَّة تَامَّة


(١) أخرجه البخاري (١٤) ومسلم (٤٤) من حديث أنس ?.
(٢) أخرجه البخاري (٦٦٣٢) من حديث عبد الله بن هشام ?.

<<  <   >  >>