للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استلزمت إِرَادَة جازمة فِي حُصُول المحبوبات؛ فَإِذا كَانَ العَبْدُ قَادرًا عَلَيْهَا حصلها، وإِن كَانَ عَاجِزًا عَنْهَا فَفعل مَا يَقدر عَلَيْهِ من ذَلِك كَانَ لَهُ أجر كَأَجر الفَاعِل، كَمَا قَالَ النَّبِي : «مَنْ دَعَا إِلَى هدى كَانَ لَهُ من الأجر مِثل أُجور مَنْ اتَّبعهُ، مِنْ غير أَنْ يَنقص مِنْ أُجُورهم شَيْء، ومَن دَعَا إِلَى ضَلَالَة كَانَ عَلَيْهِ من الوزر مثل أوزار مَنْ اتَّبعهُ، من غير أَنْ يَنقص من أُجُورهم شَيْء» (١). وقَالَ: «إِنَّ بِالمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسيرًا ولَا قَطعْتُمْ واديًا إِلَّا كَانُوا مَعكُمْ». قَالُوا: وهم بِالمَدِينَةِ؟ قَالَ: «وهُم بِالمَدِينَةِ حَبَسَهم العذرُ» (٢).

والجهَاد: هُو بذل الوسع- وهُو كل مَا يُمْلَكُ من القُدْرَة- فِي حُصُول مَحْبُوب الحق، ودفع مَا يَكرههُ الحق. فَإِذا ترك العَبْد مَا يَقدر عَلَيْهِ من الجِهَاد، كَانَ دَلِيلًا على ضعف محبَّة الله ورَسُوله فِي قلبه.

ومَعْلُوم أَنَّ المحبوبات لَا تنَال غَالِبًا إِلَّا بِاحْتِمَال المكروهات؛ سَواء كَانَتْ محبَّة صَالِحَة أَوْ فَاسِدَة، فالمحبون لِلمَالِ والرئاسة والصور، لَا ينالون مطالبهم إِلَّا بِضَرَر يَلحقهم فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يُصيبهم من الضَّرَر فِي الدُّنْيَا والآخِرَة. فالمحب لله ورَسُوله إِذا لم يَحْتَمل مَا يرى ذُو الرَّأْي من المُحبين لغير الله مِمَّا يَحْتَملُونَ فِي سَبِيل حُصُول مَحبوبهم- دلَّ ذَلِك على ضعف مَحَبَّتهم لله، إِذا كَانَ مَا يسلكه أُولَئِكَ فِي نظرهم، هُو الطَّرِيق الَّذِي يُشِير بِهِ العقل.

ومن المَعْلُوم أَنْ المُؤمن أَشد حبًّا لله، كما قَالَ تَعَالَى: ﴿ومن النَّاس من يتَّخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والَّذين آمنُوا أَشد حبا لله﴾ [البَقَرَة: ١٦٥]».


(١) أخرجه مسلم (٢٦٧٤) من حديث أبي هريرة ?.
(٢) أخرجه البخاري (٤٤٢٣) ومسلم (١٩١١) من حديث جابر ?.

<<  <   >  >>