للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جعل الله لأهل مَحبته علامتين: اتِّبَاع الرَّسُول، والجهَاد فِي سَبيله تعالى؛ لأن فيه بذل الرُّوح والمال، وهذا دليلٌ على صِدق العبد في عبوديته لله تعالى؛ والجهاد ذروة سنام الأمر؛ إذ به ينتشر دين الله في الأرض، وتعلو راية الإسلام، ويَعرف الناسُ ربَّهم وخالقهم ويُفردوه بالعبادة؛ يقول شيخ الإسلام: «والجهاد مقصوده: أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله؛ فمقصوده: إقامة دين الله لا استيفاء الرجل حظَّه، ولهذا كان ما يُصاب به المجاهد في نفسه وماله أجره فيه على الله؛ ف ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ﴾ [التوبة: ١١١]، حتى إنَّ الكفار إذا أسلموا أو عاهدوا لم يَضمنوا ما أتلفوه للمسلمين من الدِّماء والأموال؛ بل لو أسلموا وبأيديهم ما غَنِموه من أموال المسلمين كان ملكًا لهم عند جمهور العلماء؛ كمالك وأبي حنيفة وأحمد، وهو الذي مَضَت به سُنَّةُ رسول الله وسُنَّة خلفائه الرَّاشدين» (١).

فالجهاد لم يُشرع في الإسلام للتشفي ولا لإراقة دماء الناس ولا لاسترقاقهم، كما يُشيع أعداؤه؛ وإنما الأمة بحاجة ماسَّة إليه بنوعيه: جهاد الدَّفْع؛ للذَّبِّ عن حِمى الدِّين، وصيانة للأعراض والأموال وكل ما يُنَافَحُ عَنْه. أو جهاد الطَّلَب؛ لنشر شِرْعة الإسلام، وإغاظة أعداء الملة؛ ويقول ابن القيم: «جهاد الدَّفع يَقْصِدهُ كلُّ أحد، وَلَا يَرغب عَنهُ إِلَّا الجَبان المذموم شرعًا وعقلًا. وَجِهَاد


(١) «مجموع الفتاوى» (١٥/ ١٧٠).

<<  <   >  >>