للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف : «وهَذِه الأُمُورُ نَوْعَانِ:

مِنْهَا: مَا يَحْتَاج العَبْدُ إِلَيْهِ، كَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من طَعَامه وشَرَابه ومسكنه ومنكحه ونَحْو ذَلِك. فَهَذَا يَطْلُبهُ من الله، ويرغب إِلَيْهِ فِيهِ؛ فَيكون المَال عِنْده- يَسْتَعْمِلهُ فِي حَاجته- بِمَنْزِلَة حِمَاره الَّذِي يَركبه، وبساطه الَّذِي يجلس عَلَيْهِ، بل بِمَنْزِلَة الكنيف الَّذِي يَقْضى فِيهِ حَاجته، من غير أَنْ يَستعبده فَيكون ﴿هلوعًا * إِذا مَسّه الشَّرّ جزوعًا * وإِذا مَسّه الخَيْر منوعًا﴾ [المعارج: ١٩ - ٢١].

ومِنْهَا: مَا لَا يَحْتَاج العَبْد إِلَيْهِ، فَهَذَا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَلِّق قلبه بِهِ. فَإِذا علق قلبه بِهِ صَار مستعبَدًا لَهُ. ورُبمَا صَار مُعْتَمدًا على غير الله، فَلَا يَبْقى مَعَه حَقِيقَة العِبَادَة لله، ولَا حَقِيقَة التَّوكُّل عَلَيْهِ، بل فِيهِ شُعْبَة من العِبَادَة لغير الله، وشُعْبَة من التَّوكُّل على غير الله، وهَذَا من أَحَقِّ النَّاس بقوله : «تَعِسَ عبدُ الدِّرْهَم، تعس عبد الدِّينَار، تَعِسَ عبدُ القطيفة (١)، تعس عبدُ الخميصة (٢)» (٣)، وهَذَا هُو عبد هَذِه الأُمُور؛ فَإِنَّهُ لَو طلبَهَا من الله، فَإِنْ الله إِذا أعطَاهُ إِيَّاه رَضِي، وإِن مَنعه إِيَّاه سخط، وإِنَّمَا عبدُ الله مَنْ يُرضيه مَا يُرْضِي الله، ويُسخطه مَا يُسْخط الله، ويُحب مَا أحبه الله ورَسُوله، ويبغض مَا أبغضه الله ورَسُوله، ويوالي أَوْلِيَاء الله، ويعادي أَعدَاء الله تَعَالَى. وهَذَا هُو الَّذِي


(١) القطيفة: كساء، أو فِراش له أهداب (أطراف متدلية للزينة).
(٢) الخميصة: ثوب أسود- أو أحمر- له أعلامٌ.
(٣) أخرجه البخاري (٦٤٣٥) من حديث أبي هريرة ?، وقد تقدم.

<<  <   >  >>