للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَني عَمِّي، فقال أحدُ الرَّجُلين: يا رسول الله، أَمِّرْنا على بعض ما وَلَّاك الله ﷿، وقال الآخر مثل ذلك، فقال: «إنَّا- وَاللهِ- لا نُوَلِّي على هذا العمل أحدًا سأَلَه، ولا أحدًا حَرص عليه» (١).

كل هذا لما تَجُرُّه الإمارة مِنْ تبعات شاقة قد لا يقوم بها على وجهها، وكذلك مما قد يعود على صاحبها مِنْ كبر وحرص وتَعَالٍ وتعلق بها يؤدي به إلى الظلم والتعدي على حرمات الناس؛ من أكل أموالهم بالباطل، وإيذائهم بأنواع الإيذاء المختلفة.

وفي الظاهر ينظر الناس إليهم على أنهم رؤساء ومتبوعون ومحظوظون، وفي الحقيقة هم مُبتلون ببلاء شديد؛ قال ابن حبان: «رؤساء القوم أعظمهم همومًا، وأدومهم غمومًا، وأشغلهم قلوبًا، وأشهرهم عيوبًا، وأكثرهم عدوًّا، وأشدهم أحزانًا، وأنكاهم أشجانًا، وأكثرهم في القيامة حسابًا، وأشدهم- إن لم يعف اللهُ عنهم- عذابًا» (٢).

فطالب الرياسة في الحقيقة تابع وليس متبوعًا؛ إذ هو حريص على إرضاء الناس؛ فَهُو فِي الحَقِيقَة يَرجوهم ويخافهم؛ ولذا يبذل لَهُمْ الأَمْوالَ والولايات، وفي الغالب فإن كلَّ حريص على العلو في الدنيا فإنه يُحرم عزَّ الآخرة ونَعيمها؛ قال الله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين﴾ [القصص: ٨٣].

فطالبو الجاه وطالبو المال- في الحقيقة- هم أسرى لما يَطلبان.

* * *


(١) أخرجه البخاري (٧١٤٩)، ومسلم (١٧٣٣) واللفظ له.
(٢) «روضة العقلاء ونزهة الفضلاء» لابن حبان (ص ٢٧٥).

<<  <   >  >>